وأما أهل الكتاب فجاءوا بكل حسن إلا الاعتراف بالنبي عليه السلام فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل والحشر، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن ولا تستخف آراؤهم ولا ينسب الضلال آباؤهم، بخلاف المشرك، ثم على هذا فقوله :﴿إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ﴾ تبيين له حسن آخر، وهو أن يكون المراد إلا الذين أشركوا منهم بإثبات الولد لله والقول بثالث ثلاثة فإنهم ضاهوهم في القول المنكر فهم الظالمون، لأن الشرك ظلم عظيم، فيجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم وتبيين جهالتهم، ثم إنه تعالى بين ذلك الأحسن فقدم محاسنهم بقوله :﴿وَقُولُواْ ءامَنَّا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ فيلزمنا اتباع ما قاله لكنه بين رسالتي في كتبكم فهو دليل مضيء، ثم بعد ذلك ذكر دليلاً قياسياً فقال :﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب﴾ يعني كما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا عليك وهذا قياس، ثم قال :﴿فالذين ءاتيناهم الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ لوجود النص ومن هؤلاء كذلك، واختلف المفسرون فقال بعضهم : المراد بالذين آتيناهم الكتاب من آمن بنبينا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره وبقوله :﴿وَمِنْ هَؤُلاء﴾ أي من أهل مكة وقال بعضهم : المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الذين سبقوا محمداً ﷺ زماناً من أهل الكتاب، ومن هؤلاء الذين هم في زمان محمد ﷺ من أهل الكتاب وهذا أقرب، فإن قوله :﴿هَؤُلاء﴾ صرفه إلى أهل الكتاب أولى، لأن الكلام فيهم ولا ذكر للمشركين ههنا، إذ كان هذا الكلام بعد الفراغ من ذكرهم والإعراض عنهم لإصرارهم على الكفر، وههنا وجه آخر أولى وأقرب إلى العقل والنقل، وأقرب إلى الأحسن من الجدال المأمور به، وهو أن نقول المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الأنبياء وبقوله :﴿وَمِنْ هَؤُلاء﴾ أي من أهل الكتاب وهو أقرب، لأن الذين آتاهم