وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب ﴾
لما أنذرهم بالعذاب قالوا لفرط الإنكار عَجّل لنا هذا العذاب.
وقيل : إن قائل ذلك النّضر بن الحرث وأبو جهل حين قالا ؛ ﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] وقولهم :﴿ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب ﴾ [ ص : ١٦ ] وقوله :﴿ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ في نزول العذاب.
قال ابن عباس : يعني هو ما وعدتك ألا أعذب قومك وأؤخرهم إلى يوم القيامة.
بيانه :﴿ بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ ﴾ [ القمر : ٤٦ ].
وقال الضحاك : هو مدة أعمارهم في الدنيا.
وقيل : المراد بالأجل المسمى النفخة الأولى، قاله يحيى بن سلاّم.
وقيل : الوقت الذي قدره الله لهلاكهم وعذابهم ؛ قاله ابن شجرة.
وقيل : هو القتل يوم بدر.
وعلى الجملة فلكل عذاب أجل لا يتقدم ولا يتأخر.
دليله قوله :﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ﴾ [ الأنعام : ٦٧ ].
﴿ لَّجَآءَهُمُ العذاب ﴾ يعني الذي استعجلوه.
﴿ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً ﴾ أي فجأة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أي لا يعلمون بنزوله عليهم.
﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب ﴾ أي يستعجلونك وقد أعد لهم جهنم وأنها ستحيط بهم لا محالة، فما معنى الاستعجال.
وقيل : نزلت في عبد الله بن أبي أمية وأصحابه من المشركين حين قالوا ﴿ أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً ﴾ [ الإسراء : ٩٢ ].
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ ﴾ قيل : هو متصل بما هو قبله ؛ أي يوم يصيبهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فإذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم.
وإنما قال ﴿ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ للمقاربة وإلا فالغشيان من فوق أعم ؛ كما قال الشاعر :
عَلَفْتُهَا تِبْناً وماءً بارِدا...
وقال آخر :
لقد كان قوّادَ الجيادِ إلى العِدَا...


الصفحة التالية
Icon