ولما كان المراد نفي التلاوة عن كثير الزمن الماضي وقليله، أدخل الجار فقال ﴿من قبله﴾ أي هذا الكتاب الذي أنزلناه إليك ؛ وأكد استغراق الكتب فقال :﴿من كتاب﴾ أصلاً ﴿ولا تخطه﴾ أي تجدد وتلازم خطه ؛ وصور الخط وأكده بقوله :﴿بيمينك﴾ أي التي هي أقوى الجارحتين، وعبر بذلك إشارة إلى أنه لا تحدث الريبة في أمره لعاقل إلا بالمواظبة لمثل ذلك مواظبة قوية ينشأ عنها ملكة، فكيف إذا لم يحصل أصل الفعل، ولذلك قال :﴿إذاً﴾ أي إذ لو كان شيء من هذه المواظبة في التلاوة أو الخط التي يحصل بها الدربة المورثة للملكة ﴿لارتاب﴾ أي لساغ أن تكلف أنفسهم لدخول في الريب أي الشك ﴿المبطلون﴾ أي هؤلاء الذين ينكرون الوحي إليك من أهل الكتاب ومن العرب، ويقولون : هو سجع وكهانة وشعر وأساطير الأولين، العريقون في وصف الإبطال، أي الدخول في الباطل، فكانوا يجدون مطعناً، فتقول العرب : لعله أخذه من كتب الأقدمين، ويقول الكتابيون : المبشر به عندنا أمي.
ولكنه لم يكن شيء من قراءة ولا خط كما هو معروف من حالك فضلاً عن المواظبة لشيء منهما، فلا ريبة في صدقك في نسبته إلى الله تعالى، وإذا انتفت الريبة من أصلها صح نفي ما عندهم منها، لأنه لما لم يكن لهم في الواقع شبهة، عدت ريبتهم عدماً، وسموا مبطلين على تقدير هذه الشبهة، لقيام بقية المعجزات القاطعة بالرسالة، القاضية بالصدق، كما قضت بصدق أنبيائهم مع أنهم يكتبون ويقرؤون، وكتبهم لم تنزل للإعجاز، فصح أنهم يلزمهم الاتصاف بالإبطال بالارتياب على كل تقدير من تقديري الكتابة والقرءة وعدمهما، لأن العمدة على المعجزات.