ولما كان من المعلوم أنهم يقولون : نحن لا نصدق أن هذا الكتاب من عند الله فضلاً عن أن نكتفي به، قال :﴿قل﴾ أي جواباً لما قد يقولونه من نحو هذا :﴿كفى بالله﴾ أي الحائز لجميع العظمة وسائر الكمالات، الذي شهد لي بالرسالة في كتابة الذي أثبت أنه كلامه عجز الخلق عن معارضته.
ولما كانت العناية في هذه السورة بذكر الناس، وتفصيل أحوالهم، ابتدأ بقوله :﴿بيني وبينكم﴾ قبل قوله :﴿شهيداً﴾ بخلاف الرعد والأنعام، ثم وصف الشهيد أو علل كفايته بقوله :﴿يعلم ما في السماوات﴾ أي كلها.
ولما لم يكن للارض غير هذه التي يشاهدونها ذكر في إتيان الوحي والقرآن منها، أفرد فقال :﴿والأرض﴾ أي لا يخفى عليه شيء من ذلك فهو عليم بما ينسبونه إليّ من التقول عليه وبما أنسبه أنا إليه من هذا القرآن الذي شهد لي به عجزكم عنه فهو شاهد لي، والله في الحقيقة هو الشاهد لي، بما فيه من الثناء عليّ، والشهادة لي بالصدق، لأنه قد ثبت بالعجز عنه أنه كلامه وسيتحقق بالعقل إبطال المبطل منا.
ولما كان التقدير : وأنتم تعلمون أنه قد شهد لي بأني على الحق، وأن كل ما خالف ما جئت به فهو باطل، فالذين آمنوا بالحق وكفروا بالباطل فأولئك هم الفائزون، عطف عليه قوله :﴿والذين آمنوا بالباطل﴾ أي الذي لا يجوز الإيمان به من كل معبود سوى الله ﴿وكفروا بالله﴾ الذي يجب الإيمان به والشكر له، لأنه له الكمال كله وكل ما سواه هالك ليس له من ذاته إلا العدم ﴿أولئك﴾ البعداء البغضاء ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿الخاسرون﴾ أي العريقون في الخسارة، فإنهم خسروا أنفسهم أبداً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٥٦٧ ـ ٥٧٠﴾