ثم إنه تعالى لما بين الطريقين في إرشاد الفريقين المشركين وأهل الكتاب عاد إلى الكلام الشامل لهما والإنذار العام فقال تعالى :﴿والذين ءامَنُواْ بالباطل وَكَفَرُواْ بالله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ أي الذين آمنوا بما سوى الله لأن ما سوى الله باطل لأنه هالك بقوله :﴿كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [ القصص : ٨٨ ] وكل ما هلك فقد بطل فكل هالك باطل وكل ما سوى الله باطل، فمن آمن بما سوى الله فقد آمن بالباطل، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قوله :﴿أولئك هُمُ الخاسرون﴾ يقتضي الحصر أي من أتى بالإيمان بالباطل والكفر بالله فهو خاسر فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسراً فنقول يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتياً بالآخر، أما الآتي بالإيمان بما سوى الله فلأنه أشرك بالله فجعل غير الله مثل غيره لكن غيره عاجز جاهل ممكن باطل فيكون الله كذلك فيكون إنكاراً لله وكفراً به، وأما من كفر به وأنكره فيكون قائلاً بأن العالم ليس له إله موجد فوجود العالم من نفسه، فيكون قائلاً بأن العالم واجب والواجب إله، فيكون قائلاً بأن غير الله إله فيكون إثباتاً لغير الله وإيماناً به.
المسألة الثانية :
إذا كان الإيمان بما سوى الله كفراً به، فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله، فهل لهذا العطف فائدة غير التأكيد الذي هو في قول القائل قم ولا تقعد واقرب مني ولا تبعد ؟ نقول نعم فيه فائدة غيرها، وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول كقول القائل أتقول بالباطل وتترك الحق لبيان أن القول باطل قبيح.
المسألة الثالثة :