قال الله تعالى في سورة الأنعام :﴿وَمَا الحياة الدنيا﴾ [ الأنعام : ٣٢ ] ولم يقل وما هذه الحياة وقال ههنا :﴿وَمَا هذه﴾ فنقول لأن المذكور من قبل ههنا أمر الدنيا، حيث قال تعالى :﴿فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا﴾ [ البقرة : ١٦٤ ] فقال هذه والمذكور قبلها هناك الآخرة حيث قال :﴿ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ﴾ [ الأنعام : ٣١ ] فلم تكن الدنيا في ذلك الوقت في خاطرهم فقال :﴿وَمَا الحياة الدنيا ﴾.
المسألة الثالثة :
قال هناك :﴿إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ وقال ههنا :﴿إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ فنقول لما كان المذكور هناك من قبل الآخرة وإظهارهم للحسرة، ففي ذلك الوقت يبعد الاستغراق في الدنيا بل نفس الاشتغال بها فأخر الأبعد، وأما ههنا لما كان المذكور من قبل الدنيا وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها والاستغراق فيها، اللهم إلا لمانع يمنعه من الاستغراق فيشتغل بها من غير استغراق فيها، ولعاصم يعصمه فلا يشتغل بها أصلاً، فكان ههنا الاستغراق أقرب من عدمه فقدم اللهو.
المسألة الرابعة :
قال هناك :﴿وَلَلدَّارُ الآخرة خَيْرٌ﴾ [ الأنعام : ٣٢ ] وقال ههنا :﴿وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِىَ الحيوان﴾ فنقول لما كان الحال هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلف يحتاج إلى رادع قوي فقال ﴿الآخرة خير﴾، ولما كان ههنا الحال حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى رادع قوي فقال لا حياة إلا حياة الآخرة، وهذا كما أن العاقل إذا عرض عليه شيئان فقال في أحدهما هذا خير من ذلك يكون هذا ترجيحاً فحسب، ولو قال هذا جيد وهذا الآخر ليس بشيء يكون ترجيحاً مع المبالغة فكذلك ههنا بالغ لكون المكلف متوغلاً فيها.
المسألة الخامسة :