الفاء في قوله :﴿فإياي﴾ تدل على أنه جواب لشرط فما ذلك ؟ فنقول قوله :﴿إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ﴾ إشارة إلى عدم المانع من عبادته فكأنه قال إذا كان لا مانع من عبادتي فاعبدوني، وأما الفاء في قوله تعالى :﴿فاعبدون﴾ فهو لترتيب المقتضى على المقتضى كما يقال هذا عالم فأكرموه فكذلك ههنا لما أعلم نفسه بقوله :﴿فإياي﴾ وهو لنفسه يستحق العبادة قال ﴿فاعبدون ﴾.
المسألة الخامسة :
قال العبد مثل هذا في قوله :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وقال عقيبه :﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ والله تعالى وافقه في قوله :﴿فَإِيَّاىَ فاعبدون﴾ ولم يذكر الإعانة نقول بل هي مذكورة في قوله ﴿يا عِبَادِي﴾ لأن المذكور بعبادي لما كان الشيطان مسدود السبيل عليه مسدود القبيل عنه كان في غاية الإعانة.
المسألة السادسة :
قدم الله الإعانة وأخر العبد الاستعانة، قلنا لأن العبد فعله لغرض وكل فعل لغرض، فإن الغرض سابق على الفعل في الإدراك، وذلك لأن من يبني بيتاً للسكنى يدخل في ذهنه أولاً فائدة السكنى فيحمله على البناء، لكن الغرض في الوجود لا يكون إلا بعد فعل الواسطة، فنقول الاستعانة من العبد لغرض العبادة فهي سابقة في إدراكه، وأما الله تعالى فليس فعله لغرض فراعى ترتيب الوجود، فإن الإعانة قبل العبادة.
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٥٧)