وقال القرطبى :
﴿ وَمَا هذه الحياة الدنيآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾
أي شيء يُلهَى به ويُلعَب.
أي ليس ما أعطاه الله الأغنياء من الدنيا إلا وهو يضمحل ويزول ؛ كاللعب الذي لا حقيقة له ولا ثبات، قال بعضهم : الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها.
وأنشد :
تروحُ لنا الدنيا بغير الذي غَدَتْ...
وتَحدثُ من بعدِ الأمور أمورُ
وتجري الليالي باجتماعٍ وفُرقةٍ...
وتطلُعُ فيها أنجمٌ وتَغورُ
فمن ظنّ أنّ الدهرَ باقٍ سرورُهُ...
فذاكَ محالٌ لا يَدُومُ سرورُ
عَفَا اللَّهُ عَمَّن صَيَّر الهمَّ واحداً...
وأيقن أن الدائراتِ تَدورُ
قلت : وهذا كله في أمور الدنيا من المال والجاه والملبس الزائد على الضروري الذي به قوام العيش، والقوّة على الطاعات.
وأما ما كان منها لله فهو من الآخرة، وهو الذي يبقى كما قال :﴿ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ] أي ما ابتغى به ثوابه ورضاه.
﴿ وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان ﴾ أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها.
وزعم أبو عبيدة : أن الحيوان والحياة والحِيّ بكسر الحاء واحد.
كما قال :
وقد ترى إذ الحياةُ حِيُّ...
وغيره يقول : إن الحِيّ جمع على فِعول مثل عِصيّ.
والحيوان يقع على كل شيء حيّ.
وحيوان عينٌ في الجنة.
وقيل : أصل حَيَوان حَيَيَان فأبدلت إحداهما واواً ؛ لاجتماع المثلين.
﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ أنها كذلك.
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك ﴾ يعني السفن وخافوا الغرق ﴿ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ أي صادقين في نياتهم، وتركوا عبادة الأصنام ودعاءها.
﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ أي يدعون معه غيره، وما لم ينزل به سلطاناً.
وقيل : إشراكهم أن يقول قائلهم لولا الله والرئيس أو الملاّح لغرقنا، فيجعلون ما فعل الله لهم من النجاة قسمة بين الله وبين خلقه.