والخطف : الأخذ بسرعة، وقد مضى تحقيق معناه في سورة القصص ﴿ أفبالباطل يُؤْمِنُونَ ﴾ وهو الشرك بعد ظهور حجة الله عليهم وإقرارهم بما يوجب التوحيد ﴿ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ ﴾ يجعلون كفرها مكان شكرها، وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ ما لا يقادر قدره.
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً ﴾ أي لا أحد أظلم منه، وهو من زعم أن لله شريكاً ﴿ أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَاءهُ ﴾ أي كذّب بالرسول الذي أرسل إليه والكتاب الذي أنزله على رسوله.
وقال السديّ : كذّب بالتوحيد، والظاهر شموله لما يصدق عليه أنه حق.
ثم هدّد المكذبين وتوعدهم فقال :﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين ﴾ أي مكان يستقرّون فيه، والاستفهام للتقرير، والمعنى : أليس يستحقون الاستقرار فيها وقد فعلوا ما فعلوا؟ ثم لما ذكر حال المشركين الجاحدين للتوحيد الكافرين بنعم الله أردفه بحال عباده الصالحين، فقال :﴿ والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ أي جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته ورجاء ما عنده من الخير لنهدينهم سبلنا، أي الطريق الموصل إلينا.
قال ابن عطية : هي مكية نزلت قبل فرض الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عامّ في دين الله وطلب مرضاته، وقيل : الآية هذه نزلت في العباد.
وقال إبراهيم بن أدهم : هي في الذين يعملون بما يعلمون ﴿ وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين ﴾ بالنصر والعون، ومن كان معه لم يخذل، ودخلت لام التوكيد على مع بتأويل كونها اسماً، أو على أنها حرف ودخلت عليها لإفادة معنى الاستقرار كما تقول : إن زيداً لفي الدار، والبحث مقرّر في علم النحو.


الصفحة التالية
Icon