قال تعالى :﴿ تبوؤا المؤمنين مقاعد للقتال ﴾، وقد جاء متعدياً باللام.
قال تعالى :﴿ وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾ والمعنى : ليجعلنّ لهم مكان مباءة، أي مرجعاً يأوون إليه.
﴿ غرفاً ﴾ : أي علالي، وأما ثوى فمعناه : أقام، وهو فعل لازم، فدخلت عليه همزة التعدية فصار يتعدى إلى واحد، وقد قرىء مشدداً عدى بالتضعيف، فانتصب غرفاً، إما على إسقاط حرف الجر، أي في غرف، ثم اتسع فحذف، وإما على تضمين الفعل معنى التبوئة، فتعدى إلى اثنين، أو شبه الظرف المكاني المختص بالمبهم يوصل إليه الفعل.
وروي عن ابن عامر : غرفاً، بضم الراء.
وقرأ ابن وثاب : فنعم، بالفاء ؛ والجمهور : بغير فاء.
﴿ الذين صبروا ﴾ : أي على مفارقة أوطانهم والهجرة وجميع المشاق، من امتثال الأوامر واجتناب المناهي.
﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾ : هذان جماع الخير كله، الصبر وتفويض الأمور إلى الله تعالى.
ولما أمر رسول الله ( ﷺ )، من أسلم بمكة بالهجرة، خافوا الفقر فقالوا : غربة في بلاد لا دار لنا، ولا فيه عقار، ولا من يطعم.
فمثل لهم بأكثر الدواب التي تتقوت ولا تدّخر، ولا تروّى في رزقها، ولا تحمل رزقها، من الحمل : أي لا تنقل، ولا تنظر في إدخار، قاله مجاهد، وأبو مجلز، وعلي بن الأقمر.
والإدخار جاء في حديث :" كيف بك إذا بقيت في حثالة من حثالة الناس يخبئون رزق سنة لضعف اليقين؟ " قيل : ويجوز أن يكون من الحمالة التي لا تتكفل لنفسها ولا تروى.
وقال الحسن :﴿ لا تحمل رزقها ﴾ : لا تدخر، إنما تصبح فيرزقها الله.
وقال ابن عباس : لا يدخر إلا الآدمي والنمل والفأرة والعقعق، وقيل : البلبل يحتكر في حضنيه، ويقال : للعقعق مخابىء، إلا أنه ينساها.
وانتفاء حملها لرزقها، إما لضعفها وعجزها عن ذلك، وإما لكونها خلقت لا عقل لها، فيفكر فيما يخبؤه للمستقبل : أي يرزقها على ضعفها.


الصفحة التالية
Icon