ولما كان سياق الكلام هنا في مساق التقرير كان المقام مقتضياً للتأكيد بزيادة ﴿ من ﴾ في قوله ﴿ من بعد موتها ﴾ إلجاء لهم إلى الإقرار بأن فاعل ذلك هو الله دون أصنامهم فلذلك لم يكن مقتضى لزيادة ( مِن ) في آية البقرة، وفي الجاثية [ ٥ ] ﴿ فأحيا به الأرض بعد موتها ﴾ وقد أشار قوله ﴿ من بعد موتها ﴾ إلى موت الأرض، أي موت نباتها يكون بإمساك المطر عنها في فصول الجفاف أو في سنين الجدب لأنه قابله بكون إنزال المطر لإرادته إحياء الأرض بقوله ﴿ فأحيا به الأرض ﴾، فلا جرم أن يكون موتها بتقدير الله للعلم بأن موت الأرض كان بعد حياة سبقت من نوع هذه الحياة، فصارت الآية دالة على أنه المتصرف بإحياء الأرض وإماتتها، ويعلم منه أن محيي الحيوان ومميته بطريقة لحن الخطاب.
فانتظم من هذه الآيات المفتتحة بقوله ﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ﴾ [ العنكبوت : ٦١ ] إلى هنا أصول صفات أفعال الله تعالى وهي : الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، من أجل ذلك عقيب بأمر الله نبيئه ﷺ بأن يحمده بكلام يدل على تخصيصه بالحمد.
﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَعْقِلُونَ ﴾ لما اتضحت الحجة على المشركين بأن الله منفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، ولزم من ذلك أن ليس لأصنامهم شرك في هذه الأفعال التي هي اصول نظام ما على الأرض من الموجودات فكان ذلك موجباً لإِبطال شركهم بما لا يستطيعون إِنكاره ولا تأويله بعد أن قرعت أسماعهم دلائله وهم واجمون لا يبدون تكذيباً فلزم من ذلك صدقُ الرسول عليه الصلاة والسلام فيما دعاهم إليه.
وكَذِبثهم فيما تطاولوا به عليه في أمر الله ورسوله بأن يحمده على أن نصرهُ بالحجة نصراً يؤذن بأنه سينصره بالقوة.
وتلك نعمة عظيمة تستحق أن يحمد الله عليها إذ هو الذي لقنها رسوله ﷺ بكتابه وما كان يدري ما الكتاب ولا الإِيمان.


الصفحة التالية
Icon