ومن ذلك قراءة الجحدري وابن السميفع وأبي حيوة :"أثَر رَحْمَةِ اللَّهِ"١، "كيْفَ تُحْيي".
قال أبو الفتح ذهب بالتأنيث إلى لفظ "الرحمة" ولا تقول على هذا : أما ترى إلى غلام هند كيف تضرب زيدا؟ بالتاء وفرق بينهما أن الرحمة قد يقوم مقامها أثرها، فإذا ذكرت أثرها فكأن الغرض في ذلك إنما هو هي. تقول : رأيت عليك النعمة، ورأيت عليك أثر النعمة، ولا يعبر عن هند بغلامها.
ألا ترى أنك لا تقول رأيت غلام هند وأنت تعني أنك رأيتها؟ وأثر النعمة كأنه هو النعمة، وقوله :﴿كَيْفَ تُحْيِي﴾ جملة منصوبة الموضع على الحال، حملا على المعنى لا على اللفظ ؛ وذلك أن اللفظ استفهام، والحال ضرب من الخبر، والاستفهام والخبر معنيان متدافعان. وتلخيص كونها حالا أنه كأنه قال : فانظر إلى أثر رحمة الله محيية للأرض بعد موتها، كما أن قوله :
ما زِلْتُ أسعَى معهمْ وأختبِط حتى إذا جاء الظلامُ المُخْتَلِط
جاءُوا بِضَيْحٍ هَلْ رَأيْتَ الذِّيبَ قَطّ٢؟
فقوله : هل رأيت الذيب قط جملة استفهامية، إلا أنها في موضع وصف "الضيح" حملا على معناها دون لفظها ؛ لأن الصفة ضرب من الخبر، فكأنه قال : جاءوا بضيح يشبه لونه لون الذئب. والضيح : هو اللبن المخلوط بالماء، فهو يضرب إلى الخضرة والطلسة٣، وعليه قول الآخر :
إلَى اللهِ أَشْكُو بالمدينةِ حاجَةً وبالشَّامِ أُخْرَى كَيْفَ تَلْتَقِيانِ٤؟
٢ قبله :
بتنا بحسان ومعزاه تئط
وروي "بينهم" مكان "معهم"، "ألتبط" مكان "أختبط"، و"كاد" مكان "جاء"، و"يختلط" مكان "المختلط"، و"مذق" مكان "ضيح". والمعزى : اسم جنس كالمعز، والواحد ماعز، وللأنثى ماعزة، وهي العنز. وتئط : يصوت جوفها من الجوع. وضمير "معهم" لحسان باعتبار قبيلته. وأختبط : أسأل معروفهم من غير وسيلة. وألتبط : أعدو. والمذق. المذيق، وهو اللبن الممزوج بالماء. وانظر الخزانة : ١ : ٢٧٥، وشواهد الكشاف : ٧٤.
٣ الطلسة : الغبرة إلى سواد.
٤ نسبه في الدرر اللوامع "٢ : ١٦٦" إلى الفرزدق، ولم نعثر عليه في ديوانه.