ومن ثم يرتفع تصورهم لحقيقة الارتباطات وحقيقة العلاقات في هذا الكون الكبير. ويشعرون بضخامة النواميس التي تحكم هذا الكون، وتحكم فطرة البشر ; ودقة السنن التي تصرف حياة الناس وأحداث الحياة، وتحدد مواضع النصر ومواضع الهزيمة ; وعدالة الموازين التي تقدر بها أعمال الخلق، ويقوم بها نشاطهم في هذه الأرض، ويلقون على أساسها الجزاء في الدنيا والآخرة.
وفي ظل ذلك التصور المرتفع الواسع الشامل تتكشف عالمية هذه الدعوة وارتباطها بأوضاع العالم كله من حولها - حتى وهي ناشئة في مكة محصورة بين شعابها وجبالها - ويتسع مجالها فلا تعود مرتبطة بهذه الأرض وحدها إنما هي مرتبطة كذلك بفطرة هذا الكون ونواميسه الكبرى، وفطرة النفس البشرية وأطوارها، وماضي هذه البشرية ومستقبلها. لا على هذه الأرض وحدها، ولكن كذلك في العالم الآخر الوثيق الصلة بها والارتباط.
وكذلك يرتبط قلب المسلم بتلك الآفاق والآماد ; ويتكيف على ضوئها شعوره وتصوره للحياة والقيم ; ويتطلع إلى السماء والآخرة ; ويتلفت حواليه على العجائب والأسرار، وخلفه وقدامه على الحوادث والمصائر. ويدرك موقفه هو وموقف أمته في ذلك الخضم الهائل ; ويعرف قيمته هو وقيمة عقيدته في حساب الناس وحساب الله، فيؤدي حينئذ دوره على بصيرة، وينهض بتكاليفه في ثقة وطمأنينة واهتمام.
ويمضي سياق السورة في عرض تلك الارتباطات، وتحقيق دلالاتها في نظام الكون، وتثبيت مدلولاتها في القلوب.. يمضي سياق السورة في شوطين مترابطين: