ترفع إذا جَعَلته غايةً ولم تذكر بعده الذى أضفته إليه فَإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت: لله الأمر منْ قبلِ ومن بَعْدِ: كأنكَ أظهرتَ المخفوض الذى أسْنَدْت إليه (قَبْل) و (بعد). وسمع الكسَائىُّ بعض بنى أسَدٍ يقرؤها (لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلِ وَمِن بَعْدُ} يخفض (قبل) ويرفع (بَعد) عَلَى ما نوى وأنشدنى (هو يعنى) الكسَائىّ:
أكابِدهَا حَتى أُعَرِّسَ بَعْد مَا * يكون سُحُيْراً أو بُعَيدَ فأهْجَعَا
أراد بُعَيدَ السحَّر فأضمره. ولو لم يُرِد ضمير الإضافة لرفع فقال: بُعَيْدُ. ومثله قول الشَّاعر:
لَعَمْركَ ما أدرى وإنى لأَوجَلُ * على أيِّنا تَعْدو المنيَّةُ أوّلُ
رفعت (أوّل) لأنه غاية ؛ ألا ترى أنها مسنَدة إلى شىء هى أوّلهُ ؛ كما تعرِف أنّ (قبل) لا يكون إلاَّ قبل شىء، وأنَّ (بعد) كذلكَ. ولو أطلقتهما بالعربيّة فنوَّنت وفيهما مَعْنى الإضَافة فخفضت فى الخفض ونوَّنت فى النصب والرفع لكان صَوَاباً، قد سُمع ذلكَ من العرب، وجَاء فى أشعارها، فقال بعضهم:
وساغَ لى الشرابُ وكنت قبلاً * أكاد أغَصُّ بالمَاء الحمِيم
فنوَّنَ وكذلكَ تقول: جئتك من قبل فرأيتكَ. وكذلك قوله:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مقبل مُدبرٍ معاً * كجُلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من عَلِ
فهذا مخفوض. وإن شئت نوَّنت وأن شئت لم تنون على نيّتك؟ وقال الآخر فرفع:
كَأنّ مِحَطّا فى يدَى حارثيَّةٍ * صَنَاعٍ علت منّى به الجِلدَ من عَلُ
المِحَطّ: منقاش تشِم به يدها.
وأمّا قول الآخر:
هتكت به بيوتَ بنى طَرِيفٍ * على ما كان قبلٌ من عِتاب
فنوَّن ورَفَع فإن ذلك لضرورة الشعر، كما يُضطَرّ إليه الشاعر فينوّن فى النداء المفرد فيقول: يا زيدٌ أَقْبل ؛ قَالَ:
قدَّمُوا إذْ قيل قيسٌ قدِّمُوا * وارفعُوا المجدَ بأطرافِ الأَسَل
وأنشدنى بعض بنى عُقيل:
ونحن قتلنا الأَسْدَ أَسْدَ شَنُوءَة * فما شرِبُوا بعدٌ عَلَى لذَّة خمرَا
ولو ردّه إلى النصب إذ نوّن كان وجهاً ؛ كما قال:


الصفحة التالية
Icon