نصبتَ الأنفس ؛ لأن تأويل الكاف والميم فى ﴿خِيفَتِكُمْ﴾ مرفوع. ولو نويْت به - بالكافِ والميم - أن يكون فى تأويل نصبٍ رفعت مَا بعدها. تقول فى الكلام: عجبت مِن موافقتك كثرةُ شربِ الماء، عجبت من اشترائِكَ عبداً لا تحتاج إليه. فإذا وقع مثلها فى الكلام فأجرِه بالمعنى لا باللفظ. والعرب تقول: عجبت من قيامكم أجْمعونَ وأجمعين، وقيامكم كُلُّكم وكُلِّكم. فمنْ خفض أتبعه اللفظ ؛ لأنه خَفْض فى الظاهِرِ ومن رفع ذهب إلى التأويل. ومثله ﴿لإيلاَفِ قرَيْشٍ إيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء والصَّيْفِ﴾ أوقعت الفعل من قريش عَلى ﴿رِحْلَة﴾ والعرب تقول: عجبت من تساقطهَا بعضُها فوق بعض، وبعِضها، على مثل ذلك: هذا إذا كَنَوا. فإذا قالوا سَمْعت قرع أنيابه بعضِها بَعضاً خفضوا (بعض) وهو الوجه فى الكلام ؛ لأن الذى قبله اسم ظاهر، فاتبعوه إيَّاه. لو رفعت (بعضهَا) كان على التأويل.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾
وقوله: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ...﴾
يريد: دِين الله منصوب عَلى الفعل، كقوله ﴿صِبْغَةَ اللهِِ﴾. وقوله ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ يقول: المولود عَلى الفِطرة حتى يكُون أبواهُ اللذان ينصِّرانه أو يُهوِّدانِهِ. ويقال فطرة الله أن الله فطر العِبَاد على هَذا: على أنْ يعرفُوا أَنّ لهم رَبّاً ومدبِّراً.
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
وقوله: ﴿مُنِيبِينَ...﴾
منصوبة عَلى الفعل، وإن شئت على القطع.
فأقِمْ وجهك ومن مَعَك مُنيبينَ مقبلين إليه.


الصفحة التالية
Icon