والإبلاس الحزن المفرط لشدة اليأس، ومنه اشتق إبليس، يقال أبلس إذا يأس من كل خير يريده وإذا تحير في كل أمره وسكت وانقطعت حجته، وأبلست الناقة إذا لم ترع من شدة الضيعة أي كثرة اشتياقها للفحل، وإنما يبلسون في الآخرة لظهور خطأهم وخيبتهم مما كانوا يأملونه من شفاعة أوثانهم، قال تعالى "وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ" الدين اختصوا بهم في الدنيا وأصنامهم التي عبدوها من دون اللّه "شُفَعاءُ" يشفعون لهم كما كانوا يغرونهم ويزعمون صدقهم "وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ" ١٣ إذ تنبرأ منهم ويتبرءون منها وكان كفرهم بالدنيا بسببها.
وهذا مما أوجب حيرتهم ودهشتهم حتى أبلسوا "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ" ١٤ أهل الجنة وأهل النار بعد الفصل بينهم، إذ يقول اللّه تعالى (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) الآية ٥٩ من سورة يس في ج ١، أي انفصلوا عن المؤمنين فينفصلوا حالا بحيث لا يبقى مجرم بين المؤمنين، ولا مؤمن بين المجرمين بمجرد هذا الأمر "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ" ١٥ يسرون فيها سرورا عظيما.
يقال حبره إذا أسره سرورا تهلل منه له وجهه بالبشر وظهر فيه أثره "وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا" المنزلة على أنبيائنا "وَلِقاءِ الْآخِرَةِ" وأنكروا البعث بعد الموت "فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ" ١٦ لا يغيبون عنه أبدا أما المؤمنون العصاة فقد أشار اللّه إليهم في آيات أخر لأنهم لم يدخلوا في هذين الفريقين أما عدم دخولهم مع المؤمنين إذ قرن إيمانهم بالعمل الصالح وهم ليسوا من أهله، وأما مع الكافرين فلأنهم لم يكذبوا آيات اللّه ورسله ولم ينكروا البعث، وإنما هم جماعة قصروا عن أعمال الخير وفرطوا باتباع الأهواء فلهم جزاء غير هذا بنسبة كسبهم.
وهذه الآية المدنية في هذه السورة.