وهؤلاء لعمري هم أهل اللّه العارفون الصادقون، وهؤلاء هم الصوفية الذين هم حقيقة صوفية لا متصوفة زماننا، فأين نحن منهم رجماك ربي رحماك، نسألك العفو والعافية والشكر على العافية، والتوفيق لما تحب من الأعمال، والستر الجميل، وإذا قدرت علينا قدرا لا تريد أن تكشفه عنا فنسألك الصبر الجميل عليه، وأن تجعلنا من القليل، ولا تكلنا إلى غيرك، ولا تؤاخذنا بما نفعل ويفعل السفهاء منا، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
قال تعالى "أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ" من خلقه يوسعه عليهم بجهد وبغيره "وَيَقْدِرُ" يضيّق على من يشاء ولو جدّ ما جد "إِنَّ فِي ذلِكَ" البسط والقبض الجاريان بمقتضى المشيئة "لَآياتٍ دالات على حكمة المعطي "لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" ٣٧ به ويرضون بقسمته لاعتقادهم أن ذلك مراده لا غير، وللّه در القائل :
نكد الأديب وطيب عيش الجاهل قد أرشداك إلى حكيم كامل
ثم نبههم اللّه تعالى إلى ما يجب أن يفعل، وما يجب أن لا يفعل، وما يجب أن يترك، فخاطب به سيد المخاطبين ليعمل به أمته فقال "فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ" من البر والصدقة والنظر والصلة، لأن
هذه كلها من حق المسلم على المسلم، فكيف بالقريب الذي له حقّان حق الإسلام وحق القرابة، فالعطاء إليه يكون صدقة وصلة "وَالْمِسْكِينَ" الذي لا مال له ولا كسب يكفيه "وَابْنَ السَّبِيلِ" المسافر
الغريب الذي نفدت نفقته فبقي منقطعا عن أهله فينبغي لمن وسع اللّه عليه أن يعطيه ما يكفيه ويبلغه اهله.
وليعلم أن اللّه تعالى إذا بسط رزقه على عبده فإن ما ينفقه منه في سبيل البر والخير لا ينقصه بل يزيده، كما انه إذا ضيق عليه فإن التشدد بالإمساك لا يوفر عليه، وفيه قيل :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طرا قبل أن تنفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل ينميها إذا هي ولت