وأنت يا سيد الرسل لا يهمنّك تماديهم "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ" المعهود في الآية ٣٠ المارة ولا تكرار، لأن في الأول لفظ حنيفا وإشارة إلى الدين الحنيف بأنه هو الدين القيم، وفي هذه القيم فقط الذي لا عوج فيه، والمعرفة إذا أعيدت يراد منها الأولى نفسها كما أوضحناه في سورة الانشراح ج ١، وقد أمر اللّه عباده على لسان رسوله بإقامة الدين والإسراع للتمسك فيه "قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ" إذ لا يقبل فيه الرجوع إليه ولا التوبة ولا الفداء ولا الشفاعة المطلقة "يَوْمَئِذٍ" يوم يحل ذلك اليوم العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، حينئذ "يَصَّدَّعُونَ" ٤٣ يتفرقون بعضهم عن بعض، والتصدّع تفرق أجزاء الأواني، واستعير لمطلق التفرق، قال تعالى (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) الآية ٤ من القارعة في ج ١، أي أن أشخاص الناس تتفرق لشدة هول ذلك اليوم.
واعلموا أيها الناس أن "مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ" هو يحمل وباله وحده "وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ" ٤٤ يوطئون لها ويبنون وهو عبارة عن معنى يستفاد من أفعال الخير التي سيراها صاحبها حسا، أولا في القبر، وثانيا في الجنة، كما يمهد الإنسان فراشه في الدنيا ليستريح عليه في مضجعه من كل ما ينغص نؤمه.
قال تعالى "لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ" بأكثر مما عملوا لأنهم أحبابه، أما الذين عملوا السيئات فإنه يعاقبهم في ياره "إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ" ٤٥ لأنهم كرهوا الخير لأنفسهم فأبغضهم اللّه، لأن من لا يحبه يبغضه.
ثم عطف على الآيات من ٢٠ إلى ٢٥ المارة التي عدد فيها آثار نعمه على عبده تذكيرا لهم بأفضاله


الصفحة التالية
Icon