قال تعالى "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ" المحكوم عليهم بالعذاب لما قدمنا أنه لا يسمى سجر ماء إلا بعد إثبات ما أسند إليه، وهذا القسم يكون عند تذاكرهم من مدة مكثهم في الدنيا والبرزخ فيقولون "ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ" وإنما استقلوا مدة لبثهم مع كثرتها لطول يوم القيامة
على المعذبين وشدّة هوله "كَذلِكَ" مثل هذه الأيمان الكاذبة التي يأتون بها يوم القيامة وأنواع الإفك التي يعتذرون بها ويحاججون ربهم وغيرهم بها "كانُوا يُؤْفَكُونَ" ٥٥ بالدنيا وينصرفون من الحق إلى الباطل ومن الصدق إلى الكذب، إذ كذبوا أنفسهم، لأنهم لبثوا في الدنيا وفي القبر مئات السنين، وهذا لكذبهم في الدنيا بأنهم لم يبعثوا ولم يحاسبوا ولم يعاقبوا "وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ" في حالة الدنيا لهؤلاء الكاذبين "لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ" من يوم خلقكم إلى يوم موتكم في الدنيا، ومن يوم موتكم في البرزخ "إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ" الذي كنتم تنكرونه قرونا كثيرة "وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" ٥٦ أنكم تبعثون ولا تصدقون الرسل بما جاءتكم به، وإن علمكم الآن وتصديقكم لا ينفعكم شيئا لتفريطكم به وقت نفعه، وفي هذا يقال :
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ولم تخش سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفو الليالي يحدث الكدر
هذا وبين الساعة والساعة في الآية الأولى جناس تام مماثل، ولا يضر اختلاف حركات الإعراب ولا وجود ال في أحدهما لأنها مؤكدة، ولا يضر اتحاد مدلولها في الأصل، لأن المعرف فيه كالمنكر بمعنى القطعة من الزمن لمكان النقل في المعرف وصيرورته علما على القيامة كسائر الأعلام المنقولة، وأخذ أحدها من الآخر لا يضر أيضا، كما هو موضح في بحث جناس الاشتقاق.


الصفحة التالية
Icon