قال الترمذي عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : فذكره أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا فذكروا ذلك للنبي ـ ﷺ ـ فقال :" ألا جعلته إلى دون " يعني دون العشرة، فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع، ثم ظهرت الروم بعد ذلك، وروى الترمذي أيضاً عن نيار بن مكرم الأسلمي رضي الله تعالى عنه وقال : حديث حسن صحيح غريب، قال : لما نزلت :﴿الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين﴾ وكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل الكتاب، وفي ذلك قول الله تعالى :﴿ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم﴾ وكانت قريش " تحب " ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل الكتاب ولا إيمان ببعث، فلما نزلت هذه الآية خرج أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ يصيح في نواحي مكة ﴿الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين﴾ ! قال ناس من قريش لأبي بكر ـ رضى الله عنه ـ : فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارساً في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال : بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر ـ رضى الله عنه ـ : كم تجعل البضع من ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسم بيننا وبينك وسطاً تنتهي إليه، فسموا بينهم ست سنين، فمضت الست سنون قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر ـ رضى الله عنه ـ، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر ـ رضى الله عنه ـ تسمية ست سنين، لأن الله تعالى قال :﴿في بضع سنين ﴾.
قال ابن الجوزي في زاد المسير : وقالوا : هلاّ أقررتها على ما أقرها الله، لو شاء أن يقول : ستاً، لقال.


الصفحة التالية
Icon