وجه دلالة الخلق بالحق على الوحدانية ظاهر، وأما وجه دلالته على الحشر فكيف هو ؟ فنقول وقوع تخريب السموات وعدمها لا يعلم بالعقل إلا إمكانه، وأما وقوعه فلا يعلم إلا بالسمع، لأن الله قادر على إبقاء الحادث أبداً كما أنه يبقى الجنة والنار بعد إحداثهما أبداً، والخلق دليل إمكان العدم، لأن المخلوق لم يجب له القدم فجاز عليه العدم، فإذا أخبر الصادق عن أمر له إمكان وجب على العاقل التصديق والإذعان، ولأن العالم لما كان خلقه بالحق فينبغي أن يكون بعد هذه الحياة حياة أخرى باقية لأن هذه الحياة ليست إلا لعباً ولهواً كما بين بقوله تعالى :﴿وَمَا هذه الحياة الدنيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ [ العنبكوت : ٦٤ ] وخلق السموات والأرض للهو واللعب عبث، والعبث ليس بحق وخلق السموات والأرض بالحق فلا بد من حياة بعد هذه.
المسألة الثالثة :
قال ههنا :﴿كَثِيراً مّنَ الناس﴾ وقال من قبل :
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس﴾ [ الروم : ٦ ] وذلك لأنه من قيل لم يذكر دليلاً على الأصلين، وههنا قد ذكر الدلائل الواضحة والبراهين اللائحة ولا شك في أن الإيمان بعد الدليل أكثر من الإيمان قبل الدليل، فبعد الدلائل لا بد من أن يؤمن من ذلك الأكثر جمع فلا يبقى الأكثر كما هو، فقال بعد إقامة الدليل ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا﴾ وقبله ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ﴾ ثم بعد الدليل الذي لا يمكن الذهول عنه، والدليل الذي لا يقع الذهول عنه وإن إمكن هو السموات والأرض لأن من البعيد أن يذهل الإنسان عن السماء التي فوقه والأرض التي تحته، ذكر ما يقع الذهول عنه وهو أمر أمثالهم وحكاية أشكالهم.
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ