ومن أعاجيب ما دخل تحت مفهوم الآية من لطائف المعجزات في باطن الإشارة وتلويحها أن زماننا هذا كان قد غلب فيه على ملك مصر جندها الغرباء من الترك وغيرهم ثم اختص به الشراكسة منهم من نحو مائة سنة، وهم ممن ليس له كتاب في الأصل وإن كان إسلامهم قد جب ما كانوا عليه من قبل وكانوا إذا مات أحدهم وله ابن ولوا ابنه لأجل مماليكه واتباع ابيه إلى أن يعملوا الحيلة في خلعه، وكان أكثر أولادهم يكون صغيراً أو في حكمه حتى كانت سنة خمس وستين وثمانمائة، فصادف أن المتولي بها من أولادهم المؤيد أحمد بن الأشرف إينال العلائي، وكان قد ناهز الأربعين، وكان عنده حزم ودهاء، وزادت مدة ولايته بعد أبيه على أربعة أشهر فثقل عليهم جداً، وكان الأمير الكبير خشقدم أحد مماليك المؤيد شيخ وهو رومي، وكانت عادتهم أنهم إذا خلعوا أحداً من أبناء الملوك ولو الملك من كان في الإمرة الكبرى، فاختار الشراكسة ولايته وإن كان من غيرهم على ولاية من ولد في الإسلام في بلاد العرب، فأعملوا الحيلة في أمره إلى أن أجمع أمرهم ورأيهم كلهم على خلعه حتى مماليكه ومماليك أبيه، فقاموا في ذلك قومة رجل واحد في أواخر شهر رمضان من السنة المذكورة، فلما لم يجد له ناصراً أسلم نفسه في اليوم الثاني من وثوبهم عليه، فعرضوا الولاية على شخص منهم فلم ير التقدم على أكبر منه في الرتبة فأشار إلى الأمير الكبير فولوه، ثم اجتهد بعضهم في نزعه فلم يقدرهم الله على ذلك ولم يجمع كلمتهم على أحد، وقام هو في الأمر بجد عظيم وحزم، ولين في شدة وعزم، حتى استحكم أمره، وعظم قدره، وحسب عدد " بضع " بالجمل فإذا هو اثنان وسبعون وثمانمائة، وهو مقدار ما مضى من السنين من حين نزول الآية إلى حين ولايته، وذلك أن نصر أهل فارس على الروم كما مضى كان في السنة الثامنة من النبوة، وحينئذ نزلت الآية، فإذا قلنا : إن نزولها كان في شهر رمضان من تلك السنة، كان قبل الهجرة بست سنين


الصفحة التالية
Icon