ولما أخبر بهذه المعجزة، تلاها بمعجزة أخرى، وهو أن أهل الإسلام لا يكون لهم ما يهمهم فيسرون بنصره فقال :﴿ويومئذ﴾ أي إذ تغلب الروم على فارس ﴿يفرح المؤمنون﴾ أي العريقون في هذا الوصف من أتباع محمد ـ ﷺ ـ ﴿بنصر الله﴾ أي الذي لا رادّ لأمره، لأهل الكتاب عامة، نصرهم على المشركين في غزوة بدر وهو المقصود بالذات، ونصر الروم على فارس لتصديق موعود الله ونصر من سيصير من أهل الكتاب الخاتم من مشركي العرب على الفرس في وقعة ذي قار، فقد وقع الفرح بالنصر الذي ينبغي إضافته إلى الله تعالى وهو نصر أهل الدين الصحيح أصلاً وحالاً ومالاً، وسوق الكلام على هذا الوجه الذي يحتمل الثلاثة من بدائع الإعجاز، وسبب وقعة ذي قار أنه كان أبرويز هذا - الذي غلب الروم ثم غلبته الروم - قد غضب على النعمان بن المنذر ملك العرب، فأتى النعمان هذا هانىء بن مسعود بن عامر الشيباني، فاستودعه ماله وأهله وولده - وألف شكة، أو أربعة آلاف شكة - والشكة بكسر المعجمة وتشديد الكاف : السلاح كله - ووضع وضائع عند أحياء العرب ثم هرب فأتى طيئاً لصهره فيهم، وكانت عنده فرعة بنت سعيد بن حارثة بن لأم وزينب بنت أوس بن حارثة بن لأم، فأبوا أن يدخلوه حبلهم وأتته بنو رواحة بن ربيعة بن عبس فقالوا له : أبيت اللعن! أقم عندنا فإنا مانعوك مما نمنع منه أنفسنا، فقال : ما أحب أن تهلكوا بسبب فجزيتم خيراً، ثم خرج حتى وضع يده في يد كسرى فحبسه بساباط، وقال ابن مسكويه : بخانقين، فلم يزل في السجن حتى وقع الطاعون فمات فيه، قال : والناس يظنون أنه مات بساباط، والصحيح ما حكيناه.