وكانت الأعاجم لهم قوة وحلم، وكانوا قد سمعوا ببعض حلم العرب، وأن الملك كائن فيهم، فلما ورد عليه كتاب هانىء بهذا حملته الشفقة أن يكون ذلك قد اقترب على أن خرج بنفسه، فأقبل حتى قطع الفرات فنزل غمر بني مقاتل، وقد أحنقه ما صنعت بكر بن وائل في السواد ومنع هانىء إياه ما منعه، ودعا كسرى إياس بن قبيصة الطائي وكان عامله على عين التمر وما والاها، فاستشاره في الغارة على بكر بن وائل فقال له إياس : إن الملك لا يصلح أن يعصيه أحد من رعيته، وإن تطعني لم يعلم أحد لأي شيء عبرت وقطعت الفرات، فيرون أن أمر العرب قد كربك، ولكن ترجع وتضرب عنهم وتبعث عليهم العيون حتى ترى منهم غرة ثم ترسل حينئذ كتيبة من العجم فيها بعض القبائل التي تليهم فيوقعون بهم وقعة الدهر، ويأتونك بطلبك، فقال له كسرى : أنت رجل من العرب وبكر بن وائل أخوالك، فأنت تتعصب لهم لا تألوهم نصحاً، فقال إياس : الملك أفضل رأياً، فقام عمر بن عدي بن زيد العبادي وكان كاتبه وترجمانه بالعربية في أمور العرب فقال : قم أيها الملك وابعث إليهم بالجنود يكفوك! وقام إليه النعمان بن زرعة من ولد السفاح الثعلبي فقال له : أيها الملك! إن هذا الحي من بكر بن وائل إذا قاظوا تهافتوا على ماء لهم يقال له : ذو قار، تهافت الفراش في النار، فعقد لنعمان بن زرعة على تغلب والنمر، وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وأياد وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب، ومعه كتيبتاه الشهباء والدوسر، فكانت العرب ثلاثة آلاف، وعقد للهامرز على ألف من الأساورة، وعقد لخيارزين على ألف، وبعث معهم باللطيمة وهي عير كانت تخرج من العراق فيها البن والعطر والألطاف، توصل ذلك إلى باذان عامل كسرى على اليمن، وقال : إذا فرغتم من عدوكم فسيروا بها إلى اليمين، وأمر عمرو بن عدي أن يسير بها، وكانت العرب تحقرهم حتى تبلغ اللطيمة اليمن، وعهد كسرى إليهم إذا شارفوا بلاد بكر بن وائل


الصفحة التالية
Icon