خلف الناس ثم قال : يا معشر بني بكر بن وائل! قاتلوا عن ظعتنكم أو دعوا، وأقبلت الأعاجم يسيرون إلى تعبئة، وكان ربيعة بن غزالة السكوتي ثم التجيبي يومئذ هو وقومه نزولاً في بني شيبان فقال : يا بني شيبان! أما إني لو كنت منكم لأشرت عليكم برأي مثل عروة العلم قالوا : وأنت والله من أوسطنا، أشر علينا، قال : لا تستهدفوا هذه الأعاجم فتهلككم بنشابها، ولكن تكردسوا لهم كراديس فيشد عليهم كردوس، فإذا أقبلوا عليه شد الآخر، قالوا : فإنك قد رأيت رأياً، ففعلوا، فلما التقى الزحفان وتقارب القوم قام حنظلة بن ثعلبة فقال : يا معشر بكر بن وائل! إن النشاب الذي مع الأعاجم يعرفكم، فإذا أرسلوه لم يُخْطِكُمْ، فعاجلوهم اللقاء وابدأوهم، ثم قام هانىء بن مسعود فقال : يا قوم! مهلك معذور خير من منجى مفرور، إن الحذر لا يدفع القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، واستقبال الموت خير من استدباره، ياقوم : جدوا، فما من القوم بد فتح لو كان رجال أجد، أسمع صوتاً ولا أرى فوتاً، يا لبكر! شدوا واستعدوا، فإن لا تشدوا تردوا، ثم قام شريك بن عمرو بن شراحيل فقال : ياقوم! إنما تهابونهم أنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم، وكذلك أنتم في عيونهم فعليكم بالصبر، فإن الأسنة تردي الأعنة، يا لبكر! قدماً قدماً، ثم قام عمرو بن جبلة اليشكري فقال :
يا قوم لا تغرركم هذي الخرق...
ولا وميض البيض في شمس برق
من لم يقاتل منكم هذي العنق...
فجنبوه اللحم واسقوه المرق
ثم قام حنظلة بن ثعلبة إلى ( وضين ) امرأته فقطعه ثم تتبع الظعن بقيع وضنهن، لئلا يفر عنهن الرجال، والوضين : بطان الناقة فسمي يومئذ : مقطع الوضن.
وقال ابن مسكوية : إنه لما قطع الوضن وقع النساء إلى الأرض وإن بنت القرين الشيبانية نادت :
ويها بني شيبان صفاً بعد صف...
إن تهزموا يصبّغوا فينا القلف...


الصفحة التالية
Icon