ولما كان من المشاهدة أن لهم عقولاً راجحة وأفكار صافية، وأنظار صائبة، فكانوا بصدد أن يقولوا : إن علمنا أكبر من علمكم، كان كأنه قيل بياناً لأنه يصح سلب ما ينفع من العلم بتأديته إلى السعادة الباقية، وتنبيهاً على أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا : نعم ﴿يعلمون﴾ ولكن ﴿ظاهراً﴾ أي واحداً ﴿من﴾ التقلب في ﴿الحياة الدنيا﴾ وهو ما أدتهم إليه حواسهم وتجاربهم إلى ما يكون سبباً للتمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، قال الحسن : إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطىء وهو لا يحسن يصلي - انتهى.
وأمثال هذا لهم كثير، وهو وإن كان عند أهل الدنيا عظيماً فهو عند الله حقير، فلذلك حقره لأنهم ما زادوا فيه على أن ساووا البهائم في إدراكها ما ينفعها فتستجلبه بضروب من الحيل، وما يضرها فتدفعه بأنواع من الخداع، وأما علم باطنها وهو أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها بالطاعة، فهو ممدوح منبه عليه بوصفها بما يفهم الأخرى.


الصفحة التالية
Icon