إذن : ليست للسماء أعمدة، إنما يمسكها خالقها - عز وجل - من أعلى، فلا تقع على الأرض إلا بإذنه، ولا تتعجب من هذه المسألة، فقد أعطانا الله تعالى مثالاً مُشاهداً في قوله سبحانه :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله... ﴾ [ النحل : ٧٩ ].
فإنْ قُلْت : يمسكها في جو السماء حركة الجناحين ورفرفتها التي تحدث مقاومة للهواء، فترتفع به، وتمسك نفسها في الجو، نقول : وتُمسك أيضاً في جو السماء بدون حركة الجناحين، واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ... ﴾ [ الملك : ١٩ ].
فترى الطير في السماء مادّاً جناحيه ثابتاً بدون حركة، ومع ذلك لا يقع على الأرض ولا يُمسكه في جَوِّ السماء إذن إلا قدرة الله.
إذن : خُذْ مما تشاهد دليلاً على صدْق ما لا تشاهد ؛ لذلك يقول سبحانه :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس... ﴾ [ غافر : ٥٧ ] مع أنها خُلِقت لخدمة الإنسان.
فمع أنك أيها الإنسان مظهر من مظاهر قدرة الله، وفيك انطوى العالم الأكبر، إلا أن عمرك محدود لا يُعَدُّ شيئاً إذا قِيسَ بعمر الأرض والسماء والشمس والقمر.. الخ.
ثم يعود السياق هنا إلى آية من آيات الله في الإنسان :﴿ واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ... ﴾ [ الروم : ٢٢ ] اللسان يُطلَق على اللغة كما قال تعالى ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ [ الشعراء : ١٩٥ ] وقال :﴿ لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ [ النحل : ١٠٣ ].