أو ﴿ واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ... ﴾ [ الروم : ٢٢ ] يعني : اختلاف ما ينشأ عن اللسان وغيره من آلات الكلام من أصوات مختلفة، كما نرى الآن في آخر صيحات علم الأصوات أنْ يجدوا للصوت بصمة تختلف من شخص لآخر كبصمة الأصابع، بل بصمة الصوت أوضح دلالة من بصمة اليد.
ورأينا لذلك خزائن تُضْبط على بصمة صوت صاحبها، فساعة يُصدر لها صوتاً تفتح له.
ومن العجيب والمدهش في مجال الصوت أن المصوِّتات كثيرة منها : الجماد كحفيف الشجر وخرير الماء، ومنها : الحيوان، نقول : نقيق الضفادع وصهيل الخيل، ونهيق الحمار، وثُغَاء الشاة، ورُغَاء الإبل.. الخ لكن بالله أسألك : لو سمعت صوت حمار ينهق، أتستطيع أن تقول هذا حمار فلان؟ لا، لأن كل الأصوات من كُلِّ الأجناس خلا الإنسان صوتها واحد لا يميزه شيء.
أما في الإنسان، فلكُلٍّ منّا صوته المميز في نبرته وحدّته واستعلائه أو استفاله، أو في رقته أو في تضخيمه.. الخ. فلماذا إذن تميَّز صوت الإنسان بهذه الميزة عن باقي الأصوات؟
قالوا : لأن الجماد والحيوان ليس لهما مسئوليات ينبغي أنْ تُضبط وأنْ تُحدَّد كما للإنسان، وإلا كيف نُميز المجرم حين يرتكب جريمته ونحن لا نعرف اسمه، ولا نعرف شيئاً من أوصافه؟ وحتى لو عرفنا أوصافه فإنها لا تدلُّنا عليه دلالة قاطعة تُحدِّد المسئولية ويترتب عليها الجزاء.
وقال سبحانه بعدها ﴿ وَأَلْوَانِكُمْ... ﴾ [ الروم : ٢٢ ] فاختلاف الألسنة والألوان ليحدث هذا التميُّز بين الناس، ولأن الإنسان هو المسئول خلق الله فيه اختلافَ الألسنة والألوان ؛ لنستدل عليه بشكله : بطوله أو قِصَره أو ملابسة... إلخ.
وفي ذلك ما يضبط سلوك الإنسان ويُقوِّمه حين يعلم أنه لن يفلت بفِعْلته، ولا بُدَّ أنْ يدل عليه شيء من هذه المميزات.


الصفحة التالية
Icon