وبدأ أولاً من الآيات بالنشأة الأولى، وهي خلق الإنسان من التراب، ثم كونه بشراً منتشراً، وهو خلق حي من جماد، ثم أتبعه بأن خلق له من نفسه زوجاً، وجعل بينهما تواد، وذلك خلق حي من عضو حي.
وقال :﴿ لقوم يتفكرون ﴾، لأن ذلك لا يدرك إلا بالفكر في تأليف بين شيئين لم يكن بينهما تعارف، ثم أتبعه بما هو مشاهد للعالم كلهم، وهو خلق السموات والأرض، واختلاف اللغات والألوان، والاختلاف من لوازم الإنسان لا يفارقه.
وقال :﴿ للعالمين ﴾، لأنها آية مكشوفة للعالم، ثم أتبعه بالمنام والابتغاء، وهما من الأمور المفارقة في بعض الأوقات، بخلاف اختلاف الألسنة والألوان.
وقال :﴿ لقوم يسمعون ﴾، لأنه لما كان من أفعال العبادة قد يتوهم أنه لا يحتاج إلى مرشد، فنبه على السماع، وجعل البال من كلام المرشد.
ولما ذكر عرضيات الأنفس اللازمة والمفارقة، ذكر عرضيات الآفاق المفارقة من إراءة البرق وإنزال المطر، وقدمها على ما هو من الأرض، وهو الإتيان والإحياء، كما قدم السموات على الأرض، وقدم البرق على الإنزال، لأنه كالمبشر يجيء بين يدي القادم.
والأعراب لا يعلمون البلاد المعشبة، إن لم يكونوا قد رأوا البروق اللائحة من جانب إلى جانب.
وقال :﴿ لقوم يعقلون ﴾، لأن البرق والإنزال ليس أمراً عادياً فيتوهم أنه طبيعة، إذ يقع ذلك ببلدة دون أخرى، ووقتاً دون وقت، وقوياً وضعيفاً، فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار، فقال : هو آية لمن عقل بأن لم يتفكر تفكراً تاماً.
ثم ختم هذه الآيات بقيام السموات الأرض، وذلك من العوارض اللازمة، فإن كلاًّ من السماء والأرض لا يخرج عن مكانه، فيتعجب من وقوف الأرض وعدم نزولها، ومن علو السماء وثباتها من غير عمد.