ثم قال تعالى :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ الله التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله﴾ أي إذا تبين الأمر وظهرت الوحدانية ولم يهتد المشرك فلا تلتفت أنت إليهم وأقم وجهك للدين، وقوله :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ﴾ أي أقبل بكلك على الدين عبر عن الذات بالوجه كما قال تعالى :﴿كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [ القصص : ٨٨ ] أي ذاته بصفاته، وقوله :﴿حَنِيفاً﴾ أي مائلاً عن كل ما عداه أي أقبل على الدين ومل عن كل شيء أي لا يكون في قلبك شيء آخر فتعود إليه، وهذا قريب من معنى قوله :﴿وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين﴾ [ الروم : ٣١ ] ثم قال الله تعالى :﴿فطرت الله﴾ أي الزم فطرة الله وهي التوحيد فإن الله فطر الناس عليه حيث أخذهم من ظهر آدم وسألهم ﴿أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] فقالوا : بلى، وقوله تعالى :﴿لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله﴾ فيه وجوه، قال بعض المفسرين هذه تسلية للنبي ﷺ عن الحزن حيث لم يؤمن قومه فقال هم خلقوا للشقاوة ومن كتب شقياً لا يسعد، وقيل :﴿لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله﴾ أي الوحدانية مترسخة فيهم لا تغير لها حتى إن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون الله، لكن الإيمان الفطري غير كاف.
ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيداً مثل كون المملوك عبداً لإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية، وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف، وقول المشركين : إن الناقص لا يصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصارى إن عيسى كان يحل الله فيه وصار إلهاً فقال :﴿لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله﴾ بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك.