الإضراب ب ﴿ بل ﴾ هو عما تضمنه معنى الآية المتقدمة، كأنه يقول : ليس لهم حجة ولا معذرة فيما فعلوا من تشريكهم مع الله تعالى، بل اتبعوا أهواءهم جهالة وشهوة وقصداً لأمر دنياهم، ثم قرر على جهة التوبيخ لهم على من يهدي إذا أضل الله، أي لا هادي لأهل هذه الحال، ثم أخبر أنه لا ناصر لهم، ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام بإقامة وجهه للدين المستقيم وهو دين الإسلام، وإقامة الوجه هي تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين، وذكر الوجه لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه، و﴿ حنيفاً ﴾، معناه معتدلاً مائلاً عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة، وقوله ﴿ فطرةَ الله ﴾ نصب على المصدر، كقوله ﴿ صبغة الله ﴾ [ البقرة : ١٣٨ ] وقيل هو نصب بفعل مضمر تقديره اتبع والتزم ﴿ فطرة الله ﴾، واختلف الناس في " الفطرة " ها هنا، فذكر مكي وغيره في ذلك جميع ما يمكن ان تصرف هذه اللفظة عليه وفي بعض ذلك قلق، والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة في نفس الطفل التي هي معدة مهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به، فكأنه قال ﴿ فأقم وجهك للدين ﴾ الذي هو الحنيف وهو ﴿ فطرة الله ﴾ الذي على الإعداد له فطر البشر لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي ﷺ :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه " الحديث، فذكر الأبوين : إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة وقوله تعالى :﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ يحتمل تأويلين : أحدهما أن يريد بها هذه الفطرة المذكورة أي اعلم أن هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخلق، ولا يجيء الأمر على خلاف هذا بوجه، والآخران أن يكون قوله ﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ إنحاء على الكفرة اعترض به أثناء الكلام كأنه يقول أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا فإن هؤلاء الكفار قد خلق الله لهم الكفر ولا تبديل لخلق الله أي إنهم لا يفلحون، وقال


الصفحة التالية
Icon