قال عاطفاً على ﴿فأقم﴾ :﴿واتقوه﴾ أي خافوا أن تزيغوا عن سبيله يسلمكم في أيدي أولئك المضلين، فإذا خفتموه فلزمتموها كنتم ممن تخلى عن الرذائل ﴿وأقيموا الصلاة﴾ تصيروا ممن تحلى بالفضائل - هكذا دأب الدين أبداً تخلية ثم تحلية : أول الدخول إلى الإسلام التنزيه، وأول الدخول في القرآن الاستعاذة، وهو أمر ظاهر معقول، مثاله من أراد أن يكتب في شيء إن مسح ما فيه من الكتابة انتفع بما كتب، وإلا أفسد الأول ولم يقرأ الثاني - والله الموفق.
ولما كان الشرك من الشر بمكان ليس هو لغيره، أكد النهي عنه بقوله :﴿ولا تكونوا﴾ أي كوناً ما ﴿من المشركين﴾ أي لا تكونوا ممن يدخل في عدادهم بمواددة أو معاشرة أو عمل تشابهونهم فيه فإنه " من تشبه بقوم فهو منهم " وهو عام في كل شرك سواء كان بعبادة صنم أو نار أوغيرهما، أو بالتدين بما يخالف النصوص من أقوال الأحبار والرهبان وغير ذلك.
ولما كانوا يظنون أنهم على صواب، نصب لهم دليلاً على بطلانه بما لا أوضح منه، ولا يمكن أحداً التوقف فيه، وذلك أنه لا يمكن أن يكون الشيء متصفاً بنفي شيء وإثباته في حالة واحدة فقال مبدلاً :﴿من الذين فرقوا﴾ لما فارقوا ﴿دينهم﴾ الذي هو الفطرة الأولى، فعبد كل قوم منهم شيئاً ودانوا ديناً غير دين من سواهم، وهو معنى ﴿وكانوا﴾ أي بجهدهم وجدهم في تلك المفارقة المفرقة ﴿شيعاً﴾ أي فرقاً متحالفين، كل واحدة منهم تشايع من دان بدينها على من خالفهم حتى كفر بعضهم بعضاً واستباحوا الدماء والأموال، فعلم قطعاً أنهم كلهم ليسوا على الحق.
ولما كان هذا أمراً يتعجب من وقوعه، زاده عجباً بقوله استئنافاً :﴿كل حزب﴾ أي منهم ﴿بما لديهم﴾ أي خاصة من خاص ما عندهم من الضلال الذي انتحلوه ﴿فرحون﴾ طناً منهم أنهم صادفوا الحق وفازوا به دون غيرهم.