ثم عرض بجلافة أهل الضلال وغشاوتهم، وكثافتهم وغباوتهم، وجمودهم وقساوتهم، بقوله :﴿حنيفاً﴾ أي حال كونك ميالاً مع الدليل هيناً ليناً نافذ الصبر نير البصيرة ساري الفكر سريع الانتقال طائر الخاطر، ثم بين أن هذا الأمر في طبع كل أحد وإن كانوا فيه متفاوتين كما تراهم إذا كانوا صغاراً أسهل شيء انقياداً، ولكنه لما يكشف لهم الحال في كثير من الأشياء عن أن انقيادهم كان خطأ يصيرون يدربون أنفسهم على المخالفة دائماً حتى تصير لبعضهم طبعاً تجريبياً فيصير أقسى شيء وأجمده بعد أن كان أسهل شيء وأطوعه، وأكثر ما يكون هذا من قرناء السوء الذين يقولون ما لا يفعلون، ولهذا نهى أن يوعد الطفل بما لا حقيقة له : روى أحمد وابن أبي الدنيا من طريق الزهري عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ - قال المنذري : ولم يسمع منه أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" من قال لصبي : تعال هاك! ثم لم يعطه فهي كذبة "، ولأبي داود والبيهقي وابن أبي الدنيا عن مولى عبد الله بن عامر - قال ابن أبي الدنيا : زياد عن عبد الله بن عامر - أن أمه ـ رضى الله عنه ـ ا قالت له : تعالَ أعطيك، فقال لها رسول الله ـ ﷺ ـ :" ما أردت أن تعطيه؟ قالت : تمراً، فقال : أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة "، فقال مبيناً لهم صحة دينه بأمر هو في أنفسهم، كما بين بطلان دينهم بأمر هو في أنفسهم :﴿فطرت الله﴾ أي الزم فطرة الملك الذي لا رادَّ لأمره، وهي الخلقة الأولى التي خلق عليها البشر والطبع الأول، وقال الغزالي في آخر كتاب العلم من الإحياء في بيان العقل في هذه الآية : أي كل آدمي فطر على الإيمان بالله تعالى بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه، أعني أنها كالمتضمنة فيه لقرب استعداده للإدراك - انتهى، ثم أكد ذلك بقوله :﴿التي فطر الناس﴾ أي كل من له أهلية التحرك ﴿عليها﴾ كلهم الأشقياء والسعداء، وهي سهولة الانقياد وكرم الخلق الذي هو


الصفحة التالية
Icon