ولما كان من أخبر بأنه فعل شيئاً أو يفعله كالإماتة والإحياء بالبعث وغيره لا يحول بينه وبينه المقاوم من شريك ونحوه، قال :﴿وتعالى﴾ أي علواً لا تصل إليه العقول، كما دلت عليه صيغة التفاعل، وجرت قراءة حمزة والكسائي بالخطاب على الأسلوب الماضي، وأذنت قراءة الباقين بالغيب بالإعراض للغضب في قوله معبراً بالمضارع إشارة إلى أن العاقل من شأنه أنه لا يقع منه شرك أصلاً، فكيف إذا كان على سبيل التجدد والاستمرار :﴿عما يشركون﴾ في أن يفعلوا شيئاً من ذلك أو يقدروا بنوع من أنواع القدرة على أن يحولوا بينه وبين شيء مما يريد ليستحقوا بذلك أن يعظموا نوع تعظيم، فنزهوه وعظموه بالبراءة من كل معبود سواه.
ولما بين لهم سبحانه من حقارة شركائهم ما كان حقهم به أن يرجعوا، فلم يفعلوا، أتبعه ما أصابهم به على غير ما كان في أسلافهم عقوبة لهم على قبيح ما ارتكبوا، استعطافاً للتوبة فقال :﴿ظهر الفساد﴾ أي النقص في جميع ما ينفع الخلق ﴿في البر﴾ بالقحط والخوف ونحوهما ﴿والبحر﴾ بالغرق وقلة الفوائد من الصيد ونحوه من كل ما كان يحصل منه قبل.
وقال البغوي : البر البوادي والمفاوز، والبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية، قال عكرمة : العرب تسمي المصر بحراً.
ثم بين سببه بقوله :﴿بما﴾ ولما أغنى السياق بدلالته على السيئات عن الافتعال قال :﴿كسبت﴾ أي عملت من الشر عملاً هو من شدة تراميهم إليه وإن كان على أدنى الوجوه بما أشار إليه تجريد الفعل كأنه مسكوب من علو، ومن شدة إتقان شره كأنه مسبوك.
ولما كان أكثر الأفعال باليد، أسند إليها ما يراد به الجملة مصرحاً بعموم كل ما له أهلية التحرك فقال :﴿أيدي الناس﴾ أي عقوبة لهم على فعلهم.