وقال ابن عطية :
ثم كرر مخاطبة الكفرة في أمر أوثانهم فذكر أفعال الله تعالى التي لا شريك له فيها وهي الخلق والرزق والإماتة والإحياء ولا يمكن أن ينكر ذلك عاقل، ووقف الكفار على جهة التقرير والتوبيخ هل من شركائهم أي الذين جعلوهم شركاء من يفعل شيئاً من ذلك، وهذا الترتيب ب ﴿ ثم ﴾ هو في الآحاد شيئاً بعد شيء، ومن هنا أدخل الفقهاء الولد مع أبيه في تعقب الأحباس إذا كان اللفظ على أعقابهم ثم على أعقاب أعقابهم، ثم نزه تعالى نفسه عن مقالتهم في الإشراك، وقرأ الجمهور " يشركون " بالياء من تحت، وقرأ الأعمش وابن وثاب بالتاء من فوق، ثم ذكر تعالى على جهة العبرة ما ظهر من الفساد بسبب المعاصي في قوله ﴿ ظهر الفساد في البر والبحر ﴾، واختلف الناس في معنى ﴿ البر والبحر ﴾ في هذه الآية، فقال مجاهد ﴿ البر ﴾ البلاد البعيدة من البحر، و﴿ البحر ﴾ السواحل والمدن التي على ضفة البحر والأنهار الكبار، وقال قتادة ﴿ البر ﴾ الفيافي ومواضع القبائل وأهل الصحاري، و﴿ البحر ﴾ المدن جمع بحرة.
قال الفقيه الإمام القاضي : ومنه قول سعد بن عبادة للنبي ﷺ في شأن عبد الله بن أبي ابن سلول الحديث ولقد أجمع أهل هذه البحرة على أن يتوجوه، ومما يؤيد هذا أن عكرمة قرأ " في البر والبحور "، ورويت عن ابن عباس، وقال مجاهد أيضاً : ظهور الفساد في البر قتل أحد ابني آدم لأخيه، وفي البحر أخذ السفن غضباً، وقال بعض العباد ﴿ البر ﴾ اللسان و﴿ البحر ﴾ القلب، وقال الحسن بن أبي الحسن ﴿ البر والبحر ﴾ هما المعروفان المشهوران في اللغة.