فصل
قال الفخر :
قوله تعالى :﴿وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا﴾
لما بين حال المشرك الطاهر شركه بين حال المشرك الذي دونه وهو من تكون عبادته الله للدنيا، فإذا آتاه رضي وإذا منعه سخط وقنط ولا ينبغي أن يكون العبد كذلك، بل ينبغي أن يعبد الله في الشدة والرخاء، فمن الناس من يعبد الله في الشدة كما قال تعالى :﴿وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ﴾ [ الروم : ٣٣ ] ومن الناس من يعبده إذا آتاه نعمة كما قال تعالى :﴿وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا﴾ والأول كالذي يخدم مكرها مخافة العذاب والثاني كالذي يخدم أجيراً لتوقع الأجر وكلاهما لا يكون من الثبتين في ديوان المرتبين في الجرائد الذين يأخذون رزقهم سواء كان هناك شغل أو لم يكن، فكذلك القسمان لا يكونان من المؤمنين الذين لهم رزق عند ربهم، وفيه مسألة : وهي أن قوله تعالى :﴿فَرِحُواْ بِهَا﴾ إشارة إلى دنو همتهم وقصور نظرهم فإن فرحهم يكون بما وصل إليهم لا بما وصل منه إليهم، فإن قال قائل الفرح بالرحمة مأمور به في قوله تعالى :﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فليفرحوا﴾ [ يونس : ٥٨ ] وههنا ذمهم على الفرح بالرحمة، فكيف ذلك ؟ فنقول هناك قال : فرحوا برحمة الله من حيث إنها مضافة إلى الله تعالى وههنا فرحوا بنفس الرحمة حتى لو كان المطر من غير الله لكان فرحهم به مثل فرحهم بما إذا كان من الله، وهو كما أن الملك لو حط عند أمير رغيفاً على السماط أو أمر الغلمان بأن يحطوا عنده زبدية طعام يفرح ذلك الأمير به، ولو أعطى الملك فقيراً غير ملتفت إليه رغيفاً أو زبدية طعام أيضاً يفرح لكن فرح الأمير بكون ذلك من الملك وفرح الفقير بكون ذلك رغيفاً وزبدية.