ولما كان المراد بذلك كونه على هيئة الاتصال، دل عليه بقوله :﴿ويجعله﴾ أي إذا أراد ﴿كسفاً﴾ أي قطعاً غير متصل بعضها ببعض اتصالاً يمنع نزول الماء ﴿فترى﴾ أي بسبب إرسال الله له أو بسبب جعله ذا مسامٌ وفرج يا من أهلية الرؤية، أو يا أشرف خلقنا الذي لا يعرف هذا حق معرفته سواه ﴿الودق﴾ أي المطر المتقاطر القريب الواسع ﴿يخرج من خلاله﴾ أي السحاب الذي هو اسم جنس في حالتي الاتصال والانفصال.
ولما كان سبحانه قد سبب عن ذلك سرور عباده لما يرجون من أثره وإن كانوا كثيراً ما يشاهدون تخلف الأثر لعوارض ينتجها سبحانه، قال مسبباً عن ذلك مشيراً بأداة التحقق إلى عظيم فضله وتحقق إنعامه :﴿فإذا أصاب﴾ أي الله ﴿به من﴾ أي أرض من ﴿يشاء﴾ ونبه على أن ذلك فضل منه لا يجب عليه لأحد أصلاً شيء بقوله :﴿من عباده﴾ أي الذين لم تزل عبادته واجبة عليهم، وهم جديرون بملازمة شكره، والخضوع لأمره، خاصاً لهم بقدرته واختياره، وبين خفتهم بإسراعهم إلى الاستبشار مع احتمال العاهات، جامعاً رداً على معنى " من " أو على " العباد " لأن الخفة من الجماعة أفحش فقال :﴿إذا هم يستبشرون﴾ أي يظهر عليهم البشر، وهو السرور الذي تشرق له البشرة حال الإصابة ظهوراً بالغاً عظيماً بما يرجونه مما يحدث عنه من الأثر النافع من الخصب والرطوبة واللين ؛ ثم بين طيشهم وعجزهم بقوله :﴿وإن﴾ أي والحال أنهم ﴿كانوا﴾ في الزمن الماضي كوناً متمكناً في نفوسهم، وبين رب يأسهم من استبشارهم دلالة على سرعة انفعالهم وكثرة تقلبهم بالجار، فقال :﴿من قبل أن ينزل﴾ أي المطر بأيسر ما يكون عليه سبحانه ﴿عليهم﴾ ثم أكد عظم خفتهم وعدم قدرتهم بقوله :﴿من قبله﴾ أي الاستبشار سواه من غير تخلل زمان يمكن أن يدعي لهم فيه تسبب في المطر ﴿لمبلسين﴾ أي ساكتين على ما في أنفسهم تحيراً ويأساً وانقطاعاً، فلم يكن لهم على الإتيان بشيء من ذلك حيلة، ولا لمعبوداتهم صلاحية له باستقلال ولا وسيلة.