وقيل ما لبثوا في القبور، وقيل ما لبثوا من وقت فناء الدنيا إلى وقت النشور ﴿كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ﴾ يصرفون من الحق إلى الباطل ومن الصدق إلى الكذب.
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ
قوله :﴿وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان﴾ من الملائكة وغيرهم ﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كتاب الله إلى يَوْمِ البعث﴾ ونحن نبين ما هو المعنى اللطيف في هاتين الآيتين، فنقول الموعود بوعد إذا ضرب له أجل يستكثر الأجل ويريد تعجيله، والموعد بوعيد إذا ضرب له أجل يستقل المدة ويريد تأخيرها، لكن المجرم إذا حشر علم أن مصيره إلى النار فيستقل مدة اللبث ويختار تأخير الحشر والإبقاء في القبر، والمؤمن إذا حشر علم أن مصيره إلى الجنة فيستكثر المدة ولا يريد التأخير فيختلف الفريقان ويقول أحدهما إن مدة لبثنا قليل وإليه الإشارة بقوله :﴿يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ ويقول الآخر لبثنا مديداً وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كتاب الله إلى يَوْمِ البعث﴾ يعني كان في كاتب الله ضرب الأجل إلى يوم البعث ونحن صبرنا إلى يوم البعث ﴿فهذا يَوْمُ البعث ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ يعني طلبكم التأخير، لأنكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به، فصار مصيركم إلى النار فتطلبون التأخير.
فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)
أي لا يطلب منهم الإعتاب وهو إزالة العتب يعني التوبة التي تزيل آثار الجريمة لا تطلب منهم لأنها لا تقبل منهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٥ صـ ١١٩ ـ ١٢٠﴾