ولما كان بياض الشعر يكون غالباً من ضعف المزاج قال :﴿وشيبة﴾ وهي بياض في الشعر ناشىء من برد في المزاج ويبس يذبل بهما الجسم، وينقص الهمة والعلم، وذلك بالوقوف من الثالثة والأربعين، وهو أول سن الاكتهال وبالأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى أن يزيد النقص في الثالثة والستين، وهو أول سن الشيخوخة، ويقوى الضعف إلى ما شاء الله تعالى.
ولما كانت هذه هي العادة الغالبة وكان الناس متفاوتين فيها، وكان من الناس من يطعن في السن وهو قوي، أنتج ذلك كله - ولا بد - التصرف بالاختيار مع شمول العلم وتمام القدرة فقال :﴿يخلق ما يشاء﴾ أي من هذا وغيره ﴿وهو العليم﴾ أي البالغ العلم فهو يسبب ما أراد من الأسباب لما يريد إيجاده أو إعدامه ﴿القدير﴾ فلا يقدر أحد على إبطال شيء من أسبابه، فلذلك لا يتخلف شيء أراده عن الوقت الذي يريده فيه أصلاً، وقدم صفة العلم لاستتباعها للقدرة التي المقام لها، فذكرها إذن تصريح بعد تلويح، وعبارة بعد إشارة.
ولما ثبتت قدرته على البعث وغيره، عطف على قوله أول السورة ﴿ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون﴾ أو على ما تقديره : فيوم يريد موتكم تموتون، لا تستأخرون عن لحظة الأجل ولا تستقدمون، قوله :﴿ويوم تقوم الساعة﴾ أي القيامة التي هي إعادة الخلائق الذين كانوا بالتدريج في ألوف من السنين لا يعلم مقدارها إلا الله تعالى في أقل من لمح البصر، ولذا سميت بالساعة إعلاماً بيسرها عليه سبحانه ﴿يقسم المجرمون﴾ أي العريقون في الإجرام جرياً منهم على ديدن الجهل في الجزم بما لم يحيطوا به علماً :﴿ما﴾ أي إنهم ما ﴿لبثوا﴾ في الدنيا والبرزخ ﴿غير ساعة﴾ أي قدر يسير من ليل أو نهار.