وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ﴾
لما ذكر دلائل الآفاق، ذكر شيئاً من دلائل الأنفس، وجعل الخلق من ضعف، لكثرة ضعف الإنسان أول نشأته وطفوليته، كقوله :﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾ والقوة التي تلت الضعف، هي رعرعته ونماؤه وقوته إلى فصل الاكتهال.
والضعف الذي بعد القوة هو حال الشيخوخة والهرم.
وقيل :﴿ من ضعف ﴾ : من النطفة، كقوله :﴿ من ماء مهين ﴾ والترداد في هذه الهيئات شاهد بقدرة الصانع وعلمه.
وقرأ الجمهور : بضم الضاد في ضعف معاً ؛ وعاصم وحمزة : بفتحها فيهما، وهي قراءة عبد الله وأبي رجاء.
وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك : الضم والفتح في الثاني.
وقرأ عيسى : بضمتين فيهما.
والظاهر أن الضعف والقوة هما بالنسبة إلى ما عدا البدن من ذلك، وإن الضم والفتح بمعنى واحد في ضعف.
وقال كثير من اللغويين : الضم في البدن، والفتح في العقل.
﴿ ما لبثوا ﴾ : هو جواب، وهو على المعنى، إذ لو حكى قولهم، كان يكون التركيب : ما لبثنا غير ساعة، أي ما أقاموا تحت التراب غير ساعة، وما لبثوا في الدنيا : استقلوها لما عاينوا من الآخرة، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث، وإخبارهم بذلك هو على جهة التسور والتقول بغير علم، أو على جهة النسيان، أو الكذب.
﴿ يؤفكون ﴾ : أي يصرفون عن قول الحق والنطق بالصدق.
﴿ الذين أوتوا العلم ﴾ : هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون.
﴿ في كتاب الله ﴾ : فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث والعلم يعم الإيمان وغيره، ولكن نص على هذا الخاص تشريفاً وتنبيهاً على محله من العلم.
وقيل :﴿ في كتاب الله ﴾ : اللوح المحفوظ، وقيل : في علمه، وقيل : في حكمه.
وقرأ الحسن : البعث، بفتح العين فيهما، وقرىء : بكسرها، وهو اسم، والمفتوح مصدر.
وقال قتادة : هو على التقديم والتأخير، تقديره : أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان.


الصفحة التالية
Icon