ولما كانت الحكمة هي الإقبال على الله قال :﴿أن اشكر﴾ وهو وإن كان تقديره : قلنا له كذا، يؤول إلى " آتيناه الشكر " وصرف الكلام إلى الاسم الأعظم الذي لم يتسم به غيره سبحانه دفعاً للتعنت، ونقلاً عن مظهر العظمة إلى أعظم منها فقال :﴿لله﴾ بأن وفقناه له بما سببناه له من الأمر به لأن الحكمة في الحقيقة هي القيام بالشكر لا الإيصاء به، ويمكن أن تكون " أن " مصدرية، ويكون التقدير : آتيناه إياها بسبب الشكر، وعبر بفعل الأمر إعلاماً بأن شكره كان لامتثال الأمر ليكون أعلى.
ولما كان التقدير : فبادر وشكر، فما نفع إلا نفسه، كما أنه لو كفر ما ضر إلا نفسه، عطف عليه معرفاً أنه غني عن شكر الشاكرين قوله معبراً بالمضارع الدال على أن من أقبل عليه - في أيّ زمان كان - يلقاه ويكون معروفه له دائماً بدوام العمل :﴿ومن يشكر﴾ أي يجدد الشكر ويتعاهد به نفسه كائناً من كان ﴿فإنما يشكر﴾ أي يفعل ذلك ﴿لنفسه﴾ أي فإنما ينفع نفسه، فإن الله يزيده من فضله فإن الله شكور مجيد ﴿ومن كفر﴾ فإنما يضر نفسه، وعبر بالماضي إشارة إلى أن من وقع منه كفر ولو مرة جوزي بالإعراض عنه ﴿فإن الله﴾ عبر بالاسم الأعظم لأنه في سياق الحكمة، والحكيم من أدام استحضار صفات الجلال والجمال فغلب خوفه رجاءه ما دام في دار الأكدار ﴿غني﴾ عن الشكر وغيره ﴿حميد﴾ أي له جميع المحامد وإن كفره جميع الخلائق، فإن تقدير الكفر عليهم بحيث لا يقدرون على الانفكاك عنه من جملة محامدة بالقدرة والعزة والفهم والعظمة.


الصفحة التالية
Icon