فقال :﴿بالله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له، ثم علل هذا النهي بقوله :﴿إن الشرك﴾ اي بنوعيه ﴿لظلم عظيم﴾ أي فهو ضد الحكمة، لأنه وضع الشيء في غير محله، فظلمه ظاهر من جهات عديدة جداً، أظهرها أنه تسوية المملوك الذي ليس له من ذاته إلا العدم نعمة منه أصلاً بالمالك الذي له وجوب الوجود، فلا خير ولا نعمة إلا منه، وفي هذا تنبيه لقريش وكل سامع على أن هذه وصية لا يعدل عنها، لأنها من أب حكيم لابن محنو عليه محبوب، وأن آباءهم لو كانوا حكماء ما فعلوا إلا ذلك، لأنه يترتب عليها ما عليه مدار النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية، العاجلة والآجلة، وهو الأمن والهداية ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] فإنه لما نزلت تلك الآية كما هو صحيح البخاري في غير موضع عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ شق ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقالوا : أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله ـ ﷺ ـ :" إنه ليس بذاك، ألم تسمع إلى قول لقمان ﴿إن الشر لظلم عظيم﴾ ".
ولما ذكر سبحانه وتعالى ما أوصى به ولده من شكر المنعم الأول الذي لم يشركه في إيجاده أحد، وذكر ما عليه الشرك من الفظاعة والشناعة والبشاعة، أتبعه سبحانه وصيته للولد بالوالد لكونه المنعم الثاني المتفرد سبحانه بكونه جعله سبب وجود الولد اعترافاً بالحق وإن صغر لأهله وإيذاناً بأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، وتفخيماً لحق الوالدين، لكونه قرن عقوقهما بالشرك، وإعلاماً بأن الوفاء شيء واحد متى نقص شيء منه تداعى سائره كما في الفردوس عن أبي الدرداء ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :