وقال القرطبى :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث ﴾ "مَنْ" في موضع رفع بالابتداء.
و"لَهْوَ الْحَدِيثِ" : الغناء ؛ في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما.
النحاس : وهو ممنوع بالكتاب والسنة ؛ والتقدير : من يشتري ذا لهو أو ذات لهو ؛ مثل :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ].
أو يكون التقدير : لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للّهو.
قلت : هذه إحدى الآيات الثلاث التي استدلّ بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه.
والآية الثانية قوله تعالى :﴿ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [ النجم : ٦١ ].
قال ابن عباس : هو الغناء بالْحِمْيَرِيّة ؛ اسمدي لنا ؛ أي غنّي لنا.
والآية الثالثة قوله تعالى :﴿ واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ [ الإسراء : ٦٤ ] قال مجاهد : الغناء والمزامير.
وقد مضى في "سبحان" الكلام فيه.
وروى الترمذِيّ عن أبي أمامة عن رسول الله ﷺ قال :" لا تبيعوا القَيْنَات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ " إلى آخر الآية.
قال أبو عيسى : هذا حديث غريب، إنما يُروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة وعليّ بن يزيد يضعّف في الحديث ؛ قاله محمد بن إسماعيل.
قال ابن عطية : وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد، وذكره أبو الفرج الْجَوْزي عن الحسن وسعيد ابن جبير وقتادة والنَّخَعِيّ.
قلت : هذا أعلى ما قيل في هذه الآية، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات إنه الغناء.