وقال ابن خُوَيْزِمَنْدَاد : فأما مالك فيقال عنه : إنه كان عالماً بالصناعة وكان مذهبه تحريمها.
وروي عنه أنه قال : تعلمت هذه الصناعة وأنا غلام شاب، فقالت لي أمي : أيْ بني إن هذه الصناعة يصلح لها من كان صبيح الوجه ولستَ كذلك، فاطلب العلوم الدينية ؛ فصحبت ربيعة فجعل الله في ذلك خيراً.
قال أبو الطيب الطبريّ : وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النّبيذ، ويجعل سماع الغناء من الذنوب.
وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة : إبراهيم والشعبيّ وحماد والثوري وغيرِهم، لا اختلاف بينهم في ذلك.
وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك والمنع منه ؛ إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأساً.
قال : وأما مذهب الشافعيّ فقال : الغناء مكروه يشبه الباطل، ومن استكثر منه فهو سفيه تردّ شهادته.
وذكر أبو الفرج الجَوْزي عن إمامه أحمد بن حنبل ثلاثَ روايات قال : وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخَلاّل وصاحبِه عبد العزيز إباحة الغناء، وإنما أشاروا إلى ما كان في زمانهما من القصائد الزُّهديّات ؛ قال : وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد ؛ ويدلّ عليه أنه سئل عن رجل مات وخلف ولداً وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال : تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية.
فقيل له : إنها تساوي ثلاثين ألفاً ؛ ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفاً؟ فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة.
قال أبو الفرج : وإنما قال أحمد هذا لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد، بل بالأشعار المطربة المثيرة إلى العشق.
وهذا دليل على أن الغناء محظور ؛ إذ لو لم يكن محظوراً ما جاز تفويت المال على اليتيم.
وصار هذا " كقول أبي طلحة للنبيّ ﷺ : عندي خمر لأيتام؟ فقال :"أرِقها" " فلو جاز استصلاحها لما أمِر بتضييع مال اليتامى.
قال الطبريّ : فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه.