لو قيل الصخرة لا بد من أن تكون في السموات أو في الأرض فما الفائدة في ذكرها ؟ ولأن القائل لو قال هذا رجل أو امرأة أو ابن عمرو لا يصح هذا الكلام لكون ابن عمرو داخلاً في أحد القسمين فكيف يفهم هذا، فنقول الجواب عنه من أوجه أحدها : ما قاله بعض المفسرين وهو أن المراد بالصخرة صخرة عليها الثور وهي لا في الأرض ولا في السماء والثاني : ما قاله الزمخشري وهو أن فيه إضماراً تقديره فتكن في صخرة أو في موضع آخر في السموات أو في الأرض والثالث : أن نقول تقديم الخاص وتأخير العام في مثل هذا التقسيم جائز وتقديم العام وتأخير الخاص غير جائز، أما الثاني فلما بينتم أن من قال هذا في دار زيد أو في غيرها أو في دار عمرو لا يصح لكون دار عمرو داخلة في قوله أو في غيرها، وأما الأول فلأن قول القائل هذا في دار زيد أو في دار عمرو أو في غيرها صحيح غير قبيح فكذلك ههنا قدم الأخص أو نقول خفاء الشيء يكون بطرق منها أن يكون في غاية الصغر ومنها أن يكون بعيداً، ومنها أن يكون في ظلمة، ومنها أن يكون من وراء حجاب، فإن انتفت الأمور بأسرها بأن يكون كبيراً قريباً في ضوء من غير حجاب فلا يخفى في العبادة، فأثبت الله الرؤية والعلم مع انتفاء الشرائط فقوله :﴿إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ إشارة إلى الصغر وقوله :﴿فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ﴾ إشارة إلى الحجاب وقوله :﴿أَوْ فِى السموات﴾ إشارة إلى البعد فإنها أبعد الأبعاد وقوله :﴿أَوْ فِى الأرض﴾ إشارة إلى الظلمات فإن جوف الأرض أظلم الأماكن وقوله :﴿يَأْتِ بِهَا الله﴾ أبلغ من قول القائل يعلمها الله لأن من يظهر له الشيء ولا يقدر على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دون حال من يظهر له الشيء ويظهره لغيره فقوله :﴿يَأْتِ بِهَا الله﴾ أي يظهرها الله للأشهاد وقوله :﴿إِنَّ الله لَطِيفٌ﴾ أي نافذ القدرة ﴿خَبِيرٌ﴾ أي عالم ببواطن الأمور.