ثم فيه لطيفة أخرى وهو أنه تعالى قال في الكتاب :﴿وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ﴾ لأن المجادل منه من كان يجادل من كتاب ولكنه محرف مثل التوراة بعد التحريف، فلو قال ولا كتاب لكان لقائل أن يقول لا يجادل من غير كتاب، فإن بعض ما يقولون فهو في كتابهم ولأن المجوس والنصارى يقولون بالتثنية والتثليث عن كتابهم، فقال :﴿وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ﴾ فإن ذلك الكتاب مظلم، ولما لم يحتمل في المرتبة الأولى والثانية التحريف والتبديل لم يقل بغير علم ولا هدى منير أو حق أو غير ذلك.
قوله تعالى :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا﴾
بين أن مجادلتهم مع كونها من غير علم فهي في غاية القبح فإن النبي عليه السلام يدعوهم إلى كلام الله، وهم يأخذون بكلام آبائهم، وبين كلام الله تعالى وكلام العلماء بون عظيم فكيف ما بين كلام الله وكلام الجهلاء ثم إن ههنا شيئاً آخر وهو أنهم قالوا :﴿بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا﴾ يعني نترك القول النازل من الله ونتبع الفعل، والقول أدل من الفعل لأن الفعل يحتمل أن يكون جائزاً، ويحتمل أن يكون حراماً، وهم تعاطوه، ويحتمل أن يكون واجباً في اعتقادهم والقول بين الدلالة، فلو سمعنا قول قائل افعل ورأينا فعله يدل على خلاف قوله، لكان الواجب الأخذ بالقول، فكيف والقول من الله والفعل من الجهال، ثم قال تعالى :﴿أَوْ لَّوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير﴾ استفهاماً على سبيل التعجب في الإنكار يعني الشيطان يدعوهم إلى العذاب والله يدعو إلى الثواب، وهم مع هذا يتبعون الشيطان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٥ صـ ١٣٣ ـ ١٣٤﴾