وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك ﴾
أي السفن ﴿ تَجْرِي ﴾ في موضع الخبر.
﴿ فِي البحر بِنِعْمَةِ الله ﴾ أي بلطفه بكم وبرحمته لكم في خلاصكم منه.
وقرأ ابن هُرمُز :"بنعمات الله" جمع نعمة وهو جمع السلامة، وكان الأصل تحريك العين فأسكنت.
﴿ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ ﴾ "مِنْ" للتبعيض، أي ليريكم جري السفن ؛ قاله يحيى بن سلام.
وقال ابن شجرة :"مِنْ آيَاتِهِ" ما تشاهدون من قدرة الله تعالى فيه.
النقاش : ما يرزقهم الله منه.
وقال الحسن : مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدّعاء.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي صبّار لقضائه شكور على نعمائه.
وقال أهل المعاني : أراد لكل مؤمن بهذه الصفة ؛ لأن الصبر والشكر من أفضل خصال الإيمان.
والآية : العلامة، والعلامة لا تستبين في صدر كل مؤمن إنما تستبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء.
قال الشّعْبِيّ : الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله ؛ ألم تر إلى قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ وقوله :﴿ وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾ [ الذاريات : ٢٠ ] وقال عليه السلام :" الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ".
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل ﴾ قال مقاتل : كالجبال.
وقال الكلبي : كالسحاب ؛ وقاله قتادة : جمع ظُلّة ؛ شبّه الموج بها لكبرها وارتفاعها.
قال النابغة في وصف بحر :
يماشيهن أخضر ذو ظلال...
على حافاته فِلَق الدِّنان
وإنما شبّه الموج وهو واحد بالظل وهو جمع ؛ لأن الموج يأتي شيئاً بعد شيء ويركب بعضه بعضاً كالظلل.
وقيل : هو بمعنى الجمع، وإنما لم يجمع لأنه مصدر.
وأصله من الحركة والازدحام ؛ ومنه : ماج البحر، والناس يموجون.
قال كعب :
فجئنا إلى موج من البحر وسطه...
أحابيش منهم حاسر ومقنع


الصفحة التالية
Icon