ولما كان سبحانه قد نصب عليها أمارات توجب ظنوناً في قربها، وكشف بعض أمرها، عبر تعالى بالعلم، ولما كانوا قد ألحوا في السؤال عن وقتها، وكانت أبعد الخمس عن علم الخلق، وكانت شيئاً واحداً لا يتجزى ﴿فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة﴾ [ النازعات : ١٣ ] أبرزها سبحانه في جملة اسمية دالة على الدوام والثبوت على طريق الحصر، وهذا هو المفتاح الأول من مفاتيح الغيب ينفتح به من العلوم ما يجل عن الحصر عن قيام الأنفس بأبدانها، ماثلة على مذاقها بجميع أركانها، وأشكالها وألوانها، وسائر شأنها، وطيران الأرواح بالنفخ إليها واحتوائها عليها على اختلاف أنواعهم، وتغاير صورهم وأطوالهم، وتباين ألسنتهم وأعمالهم، إلى غير ذلك من الأمور، وعجائب المقدور، ثم سعيهم إلى الموقف ثم وقوفهم، ثم حسابهم إلى استقرار الفريقين في الدارين، هذا إلى موجهم من شدة الزحام، والكروب العظام بعضاً في بعض.
يطلبون من يشفع لهم في الحساب حتى يقوم المصطفى ـ ﷺ ـ المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون إلى انتقاض السماوات، وانكدار ما فيها من النيرات، ونزول الملائكة بعد قيامهم من منامهم، وهم من لا يحصى أهل سماء منهم، كثرة، كيف وقد أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم يصلي هذا إلى تبدل الأراضي وزوال الجبال، ونسف الأبنية والروابي والتلال، وغير ذلك مما لا يعلمه حق علمه إلا هو سبحانه.
﴿المفتاح الثاني﴾ : آية الله في خلقه على قيام الساعة، وأدل الأدلة عليه وهو إنزال المطر الذي يكشف عن الاختلاط في أعماق الأراضي بالتراب الذي كان نباتاً ثم إعادته نبتاً كما كان من قبل على اختلاف ألوانه، ومقاديره وأشكاله، وأغصانه وأفنانه، وروائحه وطعومه، ومنافعه وطبائعه - إلى غير ذلك من شؤونه، وأحواله وفنونه، التي لا يحيط بها علماً إلا خالقها ومبدعها وصانعها.