ولما كان لا يعلمه الإنسان بنوع حيلة من شدة حذره منه وحبه لو أنفق جميع ما يمكله لكي يعلمه، عبر عنه عن الذي قبله فقال مؤكداً بإعادة النافي والمسند :﴿وما تدري﴾ وأظهر لأنه أوضح وأليق بالتعميم فقال :﴿نفس﴾ أي من البشر وغيره ﴿بأيّ أرض تموت﴾ ولم يقل : بأي وقت، لعدم القدرة على الانفكاك عن الوقت مع القدرة على الانفكاك عن مكان معين، وإحاطة العلم بكراهة كل أحد للموت، فكان ذلك أدل دليل على جهله بموضوع موته إذ علم به لبعد عنه ولم يقرب منه، وقد روى البخاري حديث المفاتيح عن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ ﴿إن الله عنده علم الساعة﴾ الآية "، وله عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ في حديث سؤال جبرئيل عليه السلام النبي ـ ﷺ ـ عن أشراط الساعة فأخبره ببعضها وقال :" خمس لا يعلمهن إلا الله ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيب﴾ " - إلى آخر السورة، فقد دل الحديث قطعاً على أن الآية فيما ينفرد سبحانه وتعالى بعلمه، وقد رتبها سبحانه هذا الترتيب لما تقدم من الحكمة وعلم سر إتيانه بها تارة في جملة اسمية وتارة في فعلية، وتارة ليس فيها ذكر للعلم، وأخرى يذكر فيها، ويسند إليه سبحانه، ولكن لا على وجه الحصر، وتارة بنفي العلم من غيره فقط من غير إسناد للفعل إليه، وعلم سر قوله " بأيّ أرض " دون أيّ وقت، كما في بعض طرق الحديث.