ثم ذكر جل ذكره ما يترتب على نفخ الروح في الجسد فقال "وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ" ٩ اللّه على هذه النعم والحواس العظيمة والجوارح الكريمة التي هي من أبلغ قدرة اللّه تعالى في الإنسان وأكبرها نفعا له، وقدم السمع لأن الإنسان بسمع أولا ثم ينظر إلى القائل ليعرفه ثم يتفكر بقلبه فيفهم معناه، ولا خلاف في أن السمع أفضل من البصر لإمكان التفاهم مع الأعمى دون الأصم "وَقالُوا" الكفرة منكر والبعث "أَ إِذا ضَلَلْنا" غيّبنا وصرنا ترابا مخلوطا بتراب الأرض ووضعنا فيها فلم يبق ما نتميز به عنها بأن تغلغلنا "فِي الْأَرْضِ" حتى كنا من ترابها، قال النابغة يرثي النعمان :
وآب مضلوه بعين جليّة وغودر بالجولان حزم ونائل
"أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ" بعد ذلك استفهام إنكار وتعجب مما يقول لهم حضرة الرسول انكم تحيون بعد موتكم هذا وتحاسبون على أعمالكم، قال تعالى لا ترد عليهم يا حبيبي فتقول لهم نعم إنكم تخلقون ثانيا، لأنهم ينكرون أكثر من ذلك "بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ" ١٠ جاحدون، وهذا انتقال من بيان كفرهم بالبعث إلى ما هو أشد وأفظع وهو جحود مقابلة ربهم بالحساب والجزاء لأنهم لو صدقوا بالحياة الثانية لم يصدقوا بأنهم يعذبون ويثابون على ما وقع منهم من خير وشر ولم يصدقوا أن هناك نارا للكافر وجنة للمؤمن، لأنهم ينكرون الحشر الذي هو أول مقدمات لقاء اللّه وهذه تضاهي الآية ٣٣ من الأنعام المارة،
"قُلْ" لهم يا سيد الرسل بل قد "يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ" لقبض أرواحكم في الدنيا "ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ" بعد موتكم "تُرْجَعُونَ" ١١ في الآخرة لا محالة، وهذه رد لقولهم إنا لا نلاقي اللّه ولا نعود إليه وهو أبلغ


الصفحة التالية
Icon